مجتمع

الزاوية الدرقاوية مدرسة التجديد الروحي في المغرب

السنغال _ محمد الحمزاوي

تُعتبر الزاوية الدرقاوية من أبرز الزوايا الصوفية في المغرب والعالم العربي، إذ ساهمت في إحياء روح التصوف الأصيل القائم على الزهد، والتواضع، وصفاء السريرة.
وقد انتشرت طريقتها في مختلف ربوع المغرب، بل تجاوزت حدوده إلى الجزائر، تونس، ومصر، لما حملته من فكر إصلاحي وروحانية عالية.
مؤسس الزاوية الدرقاوية
أسسها الشيخ مولاي العربي الدرقاوي الحسني في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي (حوالي سنة 1790م).
وُلد الشيخ في منطقة بني زروال قرب وزان، وينحدر من أسرة شريفة حسنية النسب.
تلقّى العلم في صغره، ثم انخرط في طريق الطريقة الشاذلية عبر الشيخ مولاي علي الجمل بفاس، قبل أن يؤسس طريقته الخاصة التي سُمّيت الطريقة الدرقاوية.
منهج الطريقة الدرقاوية
الزاوية الدرقاوية تُعد امتدادًا للطريقة الشاذلية، لكنها تميزت بأسلوبها العملي والبسيط في التربية الصوفية.
يدعو الشيخ الدرقاوي أتباعه إلى:
التمسك بالكتاب والسنة.
الابتعاد عن مظاهر الترف والغلو.
الاكتفاء باليسير في المأكل والملبس.
العمل اليدوي الشريف.
الإكثار من الذكر والمراقبة والمجاهدة لتصفية القلب.
لقد كان يقول لتلاميذه:
“ليس التصوف في الثوب المرقع، ولا في الجلوس في الزوايا، بل في صفاء القلب من الكِبر والرياء.”
الانتشار والتأثير
انتشرت الطريقة الدرقاوية بسرعة كبيرة في مختلف مناطق المغرب، خاصة في الشمال والجنوب، وتأسست فروعها في مدن مثل فاس ووزان ومراكش وتطوان.
كما أن العديد من الطرق الصوفية الأخرى تفرعت عنها، مثل:
الزاوية الشرقاوية في أبي الجعد،
الزاوية الوزانية،
الزاوية الحَمّدية، وغيرها.
وهكذا أصبحت الزاوية الدرقاوية بمثابة الأصل الروحي الذي تغذّت منه مدارس صوفية كثيرة.
الدور الاجتماعي والسياسي
لعبت الزاوية الدرقاوية دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية المغربية، إذ ساهمت في نشر التعليم والقرآن الكريم، وحثت على التضامن بين الناس.
كما كان لها دور سياسي غير مباشر، حيث كانت بعض الزوايا الدرقاوية تدعم مقاومة الاستعمار وتدعو إلى الوحدة الوطنية، مع الحفاظ على موقف الحياد تجاه السلطة المركزية.
الفكر الدرقاوي في العالم
امتدت تعاليم الشيخ الدرقاوي إلى العالم الإسلامي من خلال تلاميذه، خاصة عبر الطريقة العلاوية التي أسسها الشيخ أحمد العلاوي في الجزائر، وهي من أشهر فروعها.
وقد أثّرت المدرسة الدرقاوية أيضًا في فكر عدد من المتصوفة الأوروبيين الذين زاروا المغرب في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، مثل المستشرق الفرنسي رينيه غينون (عبد الواحد يحيى).
الزاوية اليوم
ما زالت الزاوية الدرقاوية إلى اليوم تحتفظ بحضورها القوي في المغرب، خاصة في مناطق وزان وتطوان وفاس.
وتنظم سنويًا مواسم للذكر والسماع، يُتلى فيها القرآن وتُحيى فيها حلقات المديح النبوي والذكر الجماعي، مما يجعلها مركزًا روحيًا نابضًا بالحياة.
إن الزاوية الدرقاوية ليست مجرد زاوية للتعبد، بل مدرسة إصلاحية كبرى أسهمت في بناء الوعي الروحي والاجتماعي في المغرب.
ومن خلال مبدئها في البساطة والإخلاص، تركت أثرًا عميقًا في الفكر الصوفي الإسلامي، لتظل مثالًا خالدًا للتوازن بين الروح والعقل، وبين العبادة والعمل.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا