تعليممجتمع

التطبيع الخفي.. كيف تُزرع رموز المثلية في وعي الأطفال عبر الإعلام الحديث؟

في السنوات الأخيرة، شهد العالم تحوّلاً تدريجياً في طبيعة المحتوى الموجَّه للأطفال والمراهقين، حيث تسلّل إلى الرسوم المتحركة والبرامج الترفيهية ما يمكن وصفه بـ التطبيع الرمزي للمثلية، عبر رموز وألوان وإيحاءات ظاهرها البراءة وباطنها إعادة تشكيل الوعي الجمعي منذ سنٍّ مبكرة.
لقد كانت الرسوم في الماضي أداة للتربية على القيم والأخلاق، أما اليوم فقد غدت في كثير من الأحيان منصّة لزرع مفاهيم جديدة تُقدَّم في إطار جمالي ومرح، لتصبح مقبولة دون مقاومة فكرية أو وعي نقدي.

الإيحاء الرمزي وبناء اللاوعي الجمعي:
يُلاحظ المتابع الدقيق أنّ عدداً متزايداً من البرامج والرسوم الموجهة للأطفال بات يستخدم ألوان قوس قزح، التي تحوّلت إلى رمز عالمي لحركات المثلية، في تفاصيل المشاهد والشخصيات والشعارات. هذه الرموز، التي تبدو للوهلة الأولى زينة بريئة، تُغرس في عقل الطفل دون أن يدرك معناها، فتربط بين مفاهيم الفرح والحرية والتعبير عن الذات من جهة، وبين هذه الألوان من جهة أخرى.
وقد أثبتت الدراسات النفسية أنّ العقل الطفولي يتأثر بالصور والرموز أكثر من الكلمات، وأنّ تكرار المشهد يجعل المفهوم المضمَر فيه مألوفاً ومقبولاً. وهكذا، تتكوّن في اللاوعي الجمعي للأجيال الناشئة صورة جديدة عن “الاختلاف” باعتباره أمراً طبيعيّاً ومحبّذاً، دون أي تفكير في خلفياته أو أبعاده الأخلاقية.
ومع الانتقال إلى مرحلة المراهقة، يجد الشباب أنفسهم أمام محتوى أكثر وضوحاً في الدراما والمسلسلات العالمية، حيث تُقدَّم العلاقات المثلية بوصفها طبيعية أو إنسانية، بل تُصوَّر الشخصيات المنتمية إليها على أنّها متحرّرة وشجاعة، مقابل تصوير القيم الأسرية أو الدينية على أنها متشددة أو جامدة. وهكذا يكتمل التحوّل من الإيحاء الخفي إلى التطبيع العلني، لتُعاد صياغة المفاهيم تدريجياً عبر الترفيه.

التأثير النفسي والغاية الثقافية:
تؤكد دراسات علمية حديثة أنّ الإعلام يلعب دوراً مركزياً في تشكيل الميول والمواقف لدى المراهقين. فقد بيّنت مراجعة منشورة في موقع PubMed تحت عنوان Adolescent Sexuality and the Media أنّ التعرّض المبكر لمحتوى ذي طابع جنسي أو رمزي يؤثر في تصورات الشباب وسلوكهم، ويعيد تعريف مفاهيم الهوية والحرية.
كما خلصت دراسة صادرة عن مجلة BMC Public Health (2025) إلى وجود “علاقة ارتباطية واضحة” بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبين ميل المراهقين إلى تبنّي تصورات جديدة حول الهوية الجندرية.
وأشارت جامعة كاليفورنيا سانتا كروز (2024) إلى أنّ الإعلام الرقمي أسهم في ما سمّته “انفجار التنوع الجندري في المجتمعات الغربية”، أي التحوّل الكبير في نسب المراهقين الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم من فئات غير تقليدية جنسياً أو جندرياً.
غير أنّ هذه الأبحاث – رغم اتفاقها على وجود التأثير – لا تجزم بأن الإعلام هو السبب الوحيد، بل تؤكد أنه عامل مهيِّئ ومؤثر ضمن منظومة أوسع من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية. ومع ذلك، فإن أثره يبقى عميقاً وخطيراً لأنه يستهدف مرحلة الطفولة، حيث تتكوّن أولى الصور الذهنية والقيم الأخلاقية.
إنّ ما يجري ليس ظاهرة عابرة، بل جزء من مشروع ثقافي عالمي يهدف إلى إعادة تعريف مفاهيم الأسرة والهوية والقيم وفق المنظور الليبرالي الغربي. وتحت شعارات “الحرية” و”قبول الآخر” و”التنوع”، تُقدَّم هذه الأفكار في ثوب جمالي ناعم يخاطب العاطفة قبل العقل. ومن ثمّ يصبح الدفاع عن الفطرة الإنسانية وعن التوازن الأخلاقي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام الوطني، عبر الوعي، والرقابة، وتقديم بدائل ترفيهية نظيفة تُعبّر عن قيمنا الأصيلة وتُحصّن أجيالنا .

_المراجع :
1. Brown, J.D. & L’Engle, K.L. (2009) – Adolescent Sexuality and the Media: A Review of Current Knowledge, PubMed.

2. BMC Public Health (2025) – Association between social media use and adolescents’ sexual attitudes and identity.

3. University of California, Santa Cruz (2024) – Social media’s role in growing gender and sexual diversity.

4. American Center for Family Studies (2023) – Children’s Media Exposure and the New Gender Culture.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا