
شهدت قمة مجموعة العشرين المنعقدة في جنوب إفريقيا لحظة مفصلية في النقاش العالمي حول المعادن النادرة، وهو ملف أصبح اليوم في قلب الصراع الاقتصادي والتكنولوجي بين القوى الكبرى. فالمعادن النادرة—مثل الليثيوم، الكوبالت، النيوديميوم، والجرمانيوم— لم تعد مجرد مواد أولية، بل صارت المورد الاستراتيجي الأكبر في عصر الطاقات المتجددة وصناعة الرقاقات والأقمار الصناعية.
لماذا تركز قمة G20 على المعادن النادرة؟
شهد العالم خلال العقد الأخير تحولات سريعة نحو السيارات الكهربائية، الطاقة النظيفة، الذكاء الاصطناعي، وشبكات الاتصالات المتطورة. هذه التحولات تعتمد بشكل مباشر على المعادن النادرة التي تدخل في تصنيع البطاريات المتقدمة، التوربينات الهوائية، الشرائح الإلكترونية، وحتى الأسلحة الذكية.
ومع ارتفاع الطلب الدولي عليها، أصبحت السيطرة على سلاسل توريدها مسألة أمن قومي للدول الصناعية. لذلك، كان من الضروري مناقشة هذا الملف داخل إطار G20، الذي يجمع أكبر الاقتصادات العالمية.
إفريقيا مركز الثقل الجديد
اختيار جنوب إفريقيا لاستضافة القمة كان رسالة واضحة:
القارة الإفريقية تملك أكثر من 40% من احتياطي المعادن النادرة في العالم، خاصة الكونغو الديمقراطية، زيمبابوي، ناميبيا، وجنوب إفريقيا نفسها.
هذا جعلها ساحة تنافس بين:
الصين (اللاعب الأكبر في تكرير هذه المعادن)،
الولايات المتحدة،
الاتحاد الأوروبي،
والهند.
كل طرف يسعى لتأمين إمداداته في المستقبل، تجنبًا لأي أزمة مشابهة لأزمة أشباه الموصلات.
التوتر الاقتصادي بين القوى الكبرى
ناقشت القمة ضرورة تقليل الاعتماد على دولة واحدة في تكرير المعادن النادرة، في ظل هيمنة الصين على أكثر من 70% من عمليات التكرير عالميًا.
ولذلك ركّزت الدول الغربية على:
الاستثمار في المناجم الإفريقية،
بناء مصانع محلية للمعالجة،
وتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد لضمان الاستقرار.
هذا التوجه يهدد بتغيير خريطة النفوذ الدولي في العقود القادمة.
مكاسب محتملة للدول الإفريقية
القارة اليوم ليست مجرد مصدر للمواد الخام، بل أصبحت تمتلك قوة تفاوضية جديدة.
الدول الإفريقية تسعى إلى:
فرض شروط أفضل للاستثمار،
التصنيع محليًا بدل التصدير الخام،
خلق وظائف داخلية،
والحصول على نصيب عادل من الأرباح.
فالمعادن النادرة قد تمنح إفريقيا فرصة تاريخية للنهوض الاقتصادي إذا تم استغلالها بشكل عقلاني بعيدًا عن سوء التسيير والفساد.
مستقبل سوق المعادن النادرة
يتوقع الخبراء أن الطلب العالمي سيزداد بنسبة 300% إلى 500% خلال السنوات القادمة، خصوصًا مع توسع السيارات الكهربائية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وهذا يعني أن الدول التي ستنجح في تأمين الإمدادات ستكون صاحبة اليد العليا في الاقتصاد العالمي الجديد.
القمة G20 في جنوب إفريقيا ليست مجرد لحظة بروتوكولية، بل تعكس بداية مرحلة جديدة من الصراع الدولي على الموارد الاستراتيجية.
والمعادن النادرة أصبحت “نفط القرن 21”، والدول الإفريقية في قلب هذه اللعبة العالمية.




