أراء وكتاب

الأب والأم… نور البيت وركيزتهما: أهمية برهما وأثر غيابهما على الأسرة والجالية العربية

عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم في إيطاليا

 في عالمنا اليوم، تتزايد الخلافات بين الأبناء وآبائهم، أحيانًا مع أحدهما أو مع كلاهما، كما نقرأ في بعض الصحف الإيطالية عن قصص خصومات وقطع صلة الرحم. هذه الظاهرة لا تقتصر على المجتمع الإيطالي وحده، بل تتكرر أيضًا بين الجاليات المهاجرة، وخصوصًا الجالية العربية والمسلمة، حيث تتداخل التحديات الثقافية والاجتماعية لتزيد من صعوبة التواصل الأسري.
  الإسلام قدّم للوالدين مكانة عظيمة، وجعل برهما مرتبطًا بعبادة الله، كما في قوله تعالى:
“وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [النساء:36]   ويقول الله تعالى أيضًا:
“وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِض لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء:23-24]   تجسد هذه الآيات عمق رحمة الوالدين وأهمية طاعتهما، فهما منبع الحب والعطاء والحماية منذ الطفولة وحتى الكبر. فالوالدان يتحملان مسؤولية تربية الأبناء بكل تضحية، ويبذلان قصارى جهدهما لتوفير الرعاية والتعليم والمودة، حتى في أصعب الظروف.
  وقد ورد في الحديث النبوي الشريف:
“الوالد أوسط أبواب الجنة” [رواه الترمذي وصححه الألباني]   كما جاء أيضًا:
“من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده” [ابن حبان، حسنّه الألباني]   الأم تمثل الأساس في حياة الطفل منذ الولادة، فهي تمنحه الحنان والرعاية والدفء النفسي، بينما الأب، رغم اختلاف دوره، لا يقل أهمية؛ فهو القدوة والحامي والموجه. وجود الأب يمنح الطفل شعورًا بالأمان ويشكل نموذجًا للقوة المسؤولة والعدالة والانضباط. كما أن تفاعله مع الأبناء ومعرفته بأفكارهم واهتماماتهم تساعد على بناء شخصيات متوازنة ومستقلة.
  ويجب على الأب أن يكون مشاركًا فعّالًا في التربية، لا مقتصرًا على توفير المال والاحتياجات المادية فحسب. فالابن أو الابنة يحتاجان إلى حضورهما اليومي، لمساعدتهما في مواجهة المشكلات، وتوجيههما، وغرس القيم الدينية والأخلاقية، كما قال رسول الله ﷺ:
“كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” [رواه البخاري ومسلم]   وليس البر بالوالدين محصورًا في حياتهما فحسب، بل يمتد بعد وفاتهما بالدعاء لهما والاستغفار وصلة الرحم وإتمام العهود نيابة عنهما. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
“إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له” [مسلم]   للأسف، نرى اليوم بعض الشباب الذين يَدّعون الالتزام بالدين ويحرصون على أداء الشعائر، ومع ذلك يقطعون صلة والدهم أو والدتهم أو كلاهما. هذا السلوك يتناقض مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي توصي بالإحسان إلى الوالدين، كما في قوله تعالى:
“وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [الإسراء:23]   إن برّ الوالدين ليس خيارًا بحسب الظروف أو المزاج، بل هو واجب إيماني وأساس للبركة في حياة الفرد والمجتمع. ومن يتجاهل ذلك، حتى وإن كان ملتزمًا بالصلاة والصوم، يظل في قصور أخلاقي وديني، لأن صلة الرحم وصون حقوق الوالدين من أعظم الأعمال التي تقرّب الإنسان إلى الله.
  الأب والأم ليسا مجرد أفراد في الأسرة، بل هما عمادها. ومن يبرّهما بالحقّ والصبر يفتح الله له أبواب الخير والبركة في الحياة الدنيا والآخرة. فالأسرة المتماسكة، التي يحترم أبناؤها والديهم ويحرصون على صلتهم، تصبح قاعدة صلبة لمجتمع متوازن قادر على العطاء والإصلاح.
  في ظل الهجرة والتحديات الثقافية والاجتماعية التي تواجه الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا، يصبح الحفاظ على الروابط الأسرية وفهم قيمة الوالدين أكثر أهمية من أي وقت مضى. فالتواصل والاحترام والبر بالوالدين، سواء كانا على قيد الحياة أو بعد وفاتهما، يشكل علامة على النضج الديني والأخلاقي، ومفتاحًا لقلوب الأجيال القادمة، ويعكس إدراكنا للحقائق الكامنة وراء العلاقات الإنسانية وقدرتنا على تحويل المعرفة إلى فعل وصدق في المعاملة.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا