
لم يعد الجدل الدائر حول تسريبات المهداوي مجرد نقاش عابر حول مقطع داخلي للجنة من لجان المجلس الوطني للصحافة، بل تحوّل إلى مرآة تكشف اختلالات سلوكية لا يمكن تجاهلها داخل مؤسسات يُفترض أن تكون نموذجاً للرصانة والانضباط. وأكثر اللحظات إثارة كانت عندما قال أحد الأعضاء عبارة “Un petit mot لسي عبد النبوي”، وهي إحالة غير لائقة على الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
والحقيقة أن الدكتور امحمد عبد النبوي — الكاتب، الشاعر، والمفكر ،الفقيه القانوني، والمثقف قبل أن يكون مسؤولاً قضائياً — شخصية مترفعة عن مثل هذه الترهات، ولا تنساق وراء الإشارات الصغيرة أو التلميحات الضيقة. فمنذ تولّيه المسؤولية، والرجل يرسّخ منهج الإصلاح، وتحديث مرفق القضاء، وتحصين استقلاله، مع رؤية واضحة تعزز ثقة المواطن في العدالة وتعيد الاعتبار للمؤسسات.
ولا بد من الإشارة إلى حقيقة يتفق عليها المغاربة قاطبة: وطنية الرجل وصدقه المهني محل إجماع واسع، وقد سبقتهم إلى هذا الإجماع ثقة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، التي تُعد أسمى شهادة على كفاءته ونزاهته وصلابة مواقفه في خدمة دولة القانون. وهي ثقة لا تُمنح إلا لمن يستحقها، ولمن أثبت عبر مساره كله إخلاصاً للوطن والتزاماً بالمصلحة العليا.
وفي خضم هذا النقاش، لا بد من تسليط الضوء على مسألة يغفل عنها كثيرون: أن تعاملات عدد كبير من رجال الدولة والمسؤولين الكبار تتسم، في الأصل، بالاحترام والرقي في التواصل. وهذه التربية الإدارية الرفيعة، المتجذّرة في القيم المغربية الأصيلة، يفهمها البعض — للأسف — على أنها تساهل يمكن استغلاله، فيتوهمون أنهم قادرون على الوصول إلى مبتغاهم باللمز أو بالتلميح أو بالتقرب غير المشروع.
لكنهم لا يدركون أن هذا السلوك المحترم ليس ضعفاً، بل تعبير عن قوة شخصية، وتربية عريقة، وأخلاق دولة. فالمعاملة بالاحترام لا تعني الانصياع، بل تعكس التزاماً بالقانون وبالمسافة الواجبة في ممارسة السلطة.
إن ذكر اسم الدكتور عبد النبوي في سياق غير لائق يضع المسؤولين في حرج غير مبرّر، لأنهم يجدون أنفسهم أمام تأويلات لا علاقة لها بطبيعتهم المهنية ولا بطريقة تدبيرهم للمرفق القضائي. والرجل — كما يعرفه كل من عايشه — يُدير مسؤوليته بثبات واستقلالية، وبمنهج لا مكان فيه للمجاملة ولا للتأثيرات الجانبية.
وهنا تكمن الإشكالية: سلوكات فردية صغيرة تسيء لهيبة المؤسسات وتشوش على صورة المسؤولين الحقيقيين، أولئك الذين يجسدون قيم الدولة الحديثة عبر النزاهة، والتحفظ، واحترام الحدود الدستورية بين السلطات.
ويبقى من الواجب، وسط هذا النقاش، أن ننصف الرجل؛ فـ الكاتب والشاعر والفقيه ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية يظل رمزاً للاتزان والتجرد والغيرة الوطنية الصادقة، مقابل تصرفات فردية لا تعبّر إلا عن أصحابها، وتبقى بعيدة كل البعد عن قيم المرفق القضائي ومسؤولياته الثقيلة.










