
يشهد المغرب اليوم، كما تونس والجزائر، واقعًا سياسيًا واجتماعيًا متشابكًا يعكس صراعات الأجيال المختلفة، ويبرز تحديات حقيقية أمام الشباب المغربي، الذي يمثل أكثر من 30٪ من السكان، ويكتنز طاقات وكفاءات كبيرة لم يُستثمر جزء مهم منها بعد. هذا الجيل الجديد، الذي تربّى على قيم الانفتاح والتعددية، لا يكتفي بالمطالبة بفرص الشغل، بل يسعى إلى ممارسة حقوقه السياسية والاجتماعية، والمساهمة الفعلية في بناء وطنه.
للأسف، ما زال عدد كبير من الشباب المغربي يواجه حواجز مؤسساتية واضحة، حيث يتم تهميش الطاقات والكفاءات داخل الإدارة العامة، وتضييق المجال أمام مشاركتهم في الحياة السياسية والمجتمع المدني. وفي المقابل، تشهد بعض القطاعات مظاهر فساد ونهب للمال العام بطرق ملتوية، ما يوسع الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي.
كما أن المرأة المغربية، رغم كونها جزءًا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي، لا تزال تواجه أشكالًا متعددة من الإقصاء، سواء في فرص الشغل أو المشاركة السياسية أو الوصول إلى مناصب القرار، على الرغم من الجهود والمؤشرات الإيجابية التي تحققت في السنوات الأخيرة.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة البطالة في صفوف الشباب تبلغ حوالي 24٪، مع تفاوت كبير بين المناطق الحضرية والقروية، وأن أكثر من نصف حاملي الشهادات الجامعية يعانون من صعوبة الولوج إلى سوق الشغل بما يتناسب مع مؤهلاتهم العلمية. وهو ما يبرز الحاجة الملحّة إلى سياسات تشغيلية ناجعة، وربط التعليم بسوق العمل، واستثمار حقيقي في الرأسمال البشري.
في هذا السياق، يؤكد الخطاب الملكي الأخير لجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، على ضرورة الدفاع عن حقوق المواطنين، وتمكين الشباب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان تعليم جيد، ورعاية صحية لائقة، وأمن مستقر. كما شدد جلالته على أهمية تعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد، وتفعيل المشاركة الفعلية للشباب في الحياة العامة، بما يجعلهم شركاء حقيقيين في التنمية لا مجرد متلقين للقرارات.
واليوم، يصبح من الضروري أن تنتبه الحكومة المغربية، التي يقودها السيد عزيز أخنوش، إلى أن استمرار تهميش الشباب والمرأة وتجاهل طموحاتهم لا يهدد فقط ثقة المواطنين في المؤسسات، بل قد يقوض مستقبل البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا. فالشباب، بما يمتلكونه من مهارات رقمية وقدرات تواصلية عالية، باتوا قادرين على التأثير في الرأي العام، وتنظيم المبادرات المدنية، ورفع مطالبهم بوسائل سلمية حديثة، تعكس وعيًا متزايدًا بالمسؤولية الوطنية.
وأمام هذا الواقع، يتحتم على الأحزاب السياسية، والمؤسسات الحكومية، ومكونات المجتمع المدني، اتخاذ إجراءات عملية وعاجلة، من بينها: تبني سياسات تشغيلية حقيقية تستجيب لانتظارات الشباب، فتح آفاق المشاركة السياسية، تعزيز حقوق المرأة، محاربة الفساد دون انتقائية، وضمان تعليم ورعاية صحية متكافئة لجميع المواطنين. فالمغرب، بما يمتلكه من إرث حضاري عريق وطاقات بشرية واعدة، قادر على تجاوز مظاهر التهميش إذا توفرت الإرادة السياسية الصادقة والإدارة الحكيمة.
وفي الختام،
يبقى الرهان الحقيقي هو أن يتحول صوت الشباب المغربي من الاحتجاج والتذمر إلى مشاركة مؤسسية فعالة، وأن تتحمل الدولة ومؤسساتها مسؤولياتها كاملة في حماية الحقوق وتكافؤ الفرص. فالنجاح الحقيقي للمغرب لا يُقاس فقط بحجم الاستثمارات أو تطور البنية التحتية، بل بمدى تمكين أبنائه وبناته من المساهمة العادلة والمتساوية في صنع مستقبل وطنهم.








