صحة

حين يشيخ الجسد قبل أوانه… مرض نادر يختطف الطفولة بصمت

في عالم الصحة، لا تقتصر التحديات على الأمراض الشائعة التي يعرفها الجميع، بل هناك أمراض نادرة تشكل معاناة مضاعفة للمصابين بها، ليس فقط بسبب خطورتها، بل أيضًا لندرة الوعي بها وصعوبة تشخيصها. من بين هذه الأمراض تبرز متلازمة بروغيريا، أو ما يُعرف علميًا بـمتلازمة الشيخوخة المبكرة، كأحد أندر وأقسى الاضطرابات الوراثية التي تصيب الأطفال.

هذا المرض النادر يجعل الطفل يبدو وكأنه يتقدم في العمر بسرعة غير طبيعية، حيث تظهر عليه منذ السنوات الأولى ملامح جسدية تشبه ملامح كبار السن، مثل تساقط الشعر، نحافة شديدة، تجاعيد مبكرة، وضعف في النمو، رغم أن قدراته العقلية تبقى طبيعية تمامًا.

تنشأ متلازمة بروغيريا نتيجة طفرة جينية نادرة جدًا في جين يُعرف باسم LMNA، تؤدي إلى إنتاج بروتين غير طبيعي يؤثر على استقرار نواة الخلية، ما يسرّع عملية تلف الخلايا والأنسجة. وتُقدَّر نسبة الإصابة بحالة واحدة تقريبًا بين كل 20 مليون مولود، ما يجعلها من أندر الأمراض المسجلة طبيًا.

المفارقة المؤلمة أن الأطفال المصابين بهذا المرض غالبًا ما يتمتعون بذكاء لافت وروح مرحة، لكن أجسادهم لا تقوى على مجاراة أعمارهم الزمنية. ومع تقدم المرض، يزداد خطر الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين، وهي السبب الرئيسي في قِصر متوسط العمر المتوقع، الذي يتراوح غالبًا بين 13 و15 سنة.

ورغم عدم وجود علاج شافٍ حتى اليوم، فقد شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا طبيًا مهمًا في تحسين جودة حياة المصابين، من خلال أدوية تساعد على إبطاء بعض مضاعفات المرض، إضافة إلى الرعاية الطبية المتخصصة والدعم النفسي والاجتماعي، الذي يبقى عنصرًا أساسيًا في التخفيف من وطأة هذا الابتلاء.

إن متلازمة بروغيريا، ليس مجرد استعراض لحالات طبية استثنائية، بل هو دعوة صريحة إلى تعزيز البحث العلمي، ورفع مستوى الوعي المجتمعي، ودعم الأسر التي تواجه هذا النوع من المعاناة الصامتة. فالصحة، في جوهرها، ليست غياب المرض فقط، بل قدرة الإنسان على العيش بكرامة وأمل، مهما كانت التحديات.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا