سياحة

طنجة… عروس الشمال وبوابة المغرب التي صافحت البحرين وحيّت القارات

ليست طنجة مدينةً تُزار، بل حكايةٌ تُعاش، ونصٌّ مفتوحٌ على التاريخ والجغرافيا معًا، مدينةٌ إذا ذُكرت ذُكر البحران، وإذا وُصفت حضرت الأسطورة، وإذا كُتب عنها طال الكلام وضاق المقام. فهي الواقفة عند مضيق جبل طارق، تشهد على تعانق المتوسط والأطلسي، وتُمسك بيد إفريقيا وتلوّح لأوروبا، فكانت منذ فجر التاريخ بوابةً ومعبَرًا وموعدًا للحضارات.

طنجة في التاريخ… مدينة لا تشيخ:
يعود تاريخ طنجة إلى العصور الفينيقية، حيث عُرفت باسم تينجيس، قبل أن تدخل تحت الحكم القرطاجي ثم الروماني، فكانت محطة تجارية وعسكرية ذات شأن. وفي الأسطورة، ارتبط اسمها بـأنطايوس العملاق الأسطوري، وبـهرقل الذي قيل إنه شقّ المضيق، فصار الحدّ بين قارتين وبحرين.
ومع الفتح الإسلامي، دخلت طنجة مرحلة جديدة، فكانت منطلقًا لعبور طارق بن زياد إلى الأندلس، لتتحول من مدينة ساحلية إلى اسمٍ خالد في سجل التاريخ الإسلامي. ثم تعاقبت عليها الدول، من المرابطين والموحدين إلى المرينيين، وصولًا إلى العصر الحديث حيث عرفت وضعًا دوليًا فريدًا، جعلها ملتقى الدبلوماسيين والكتاب والجواسيس والفنانين، وموطنًا لأساطير الأدب العالمي.

معالمها… حيث الحجر يحكي والبحر يُنشد:
تزخر طنجة بمعالم تأسر العين وتشدّ الذاكرة، في مقدمتها المدينة العتيقة بأزقتها الضيقة، وأبوابها العتيقة، وروائح تاريخها المختلطة بالياسمين والملح.
تعلوها قصبة طنجة، شامخةً تطل على البحر، تحتضن القصر السلطاني ومتحف الفنون المغربية، شاهدة على عراقة الحكم ورصانة المكان.
وعند أقصى الشمال، يقف رأس سبارطيل حيث يلتقي البحران في مشهدٍ نادر، لا يملّ الزائر تأمله.
أما مغارة هرقل، فهي أسطورة منحوتة في الصخر، تطل على الأطلسي بفتحة تشبه خريطة إفريقيا، كأن الطبيعة أرادت أن توقّع باسم القارة على جدار الخلود.
ولا تُنسى ساحة 9 أبريل (سوق برا)، قلب المدينة النابض، حيث تختلط اللهجات، وتتعانق الوجوه، وتُختصر طنجة في مشهد واحد.

ما قيل عن طنجة… مدينة ألهمت العالم:
لم تكن طنجة مدينةً صامتة، بل كانت مصدر إلهامٍ للكتّاب والفنانين. كتب عنها بول بولز، وسكنها ويليام بوروز وجان جينيه، ووجد فيها الأدباء فضاءً للحرية والاختلاف، حتى صارت تُوصف بأنها مدينة الكُتّاب والغرباء، وملاذ الأرواح القلقة الباحثة عن معنى آخر للحياة.

طنجة والتنمية… من الأسطورة إلى القاطرة الاقتصادية:
في العقود الأخيرة، تحوّلت طنجة من مدينة حالمة إلى قاطرة تنموية كبرى، بفضل رؤية استراتيجية جعلت منها قطبًا اقتصاديًا وسياحيًا.
أصبح ميناء طنجة المتوسط واحدًا من أكبر الموانئ في إفريقيا والمتوسط، حلقة وصل في التجارة العالمية، ورافعة حقيقية للاستثمار والتشغيل.
وتعزز ذلك بتطور البنية التحتية، من طرق سيارة وسكك حديدية، إلى مناطق صناعية وسياحية، جعلت طنجة وجهةً للمستثمر كما هي قبلةٌ للسائح.
أما القطاع السياحي، فوجد في تاريخ المدينة وطبيعتها وتنوعها الثقافي كنزًا لا ينضب، فصارت طنجة تجمع بين السياحة الثقافية، والبحرية، والبيئية، وسياحة الأعمال، في تناغم قلّ نظيره.

طنجة اليوم ليست مجرد مدينة على الخريطة، بل روحٌ على الساحل، وذاكرةٌ مفتوحة على العالم، تجمع بين عبق الماضي ونبض الحاضر، وتثبت أن المدن العظيمة لا تعيش على أمجادها فقط، بل تصنع مستقبلها وهي تنظر بثقة إلى البحر.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا