
سورةٌ قصرت ألفاظُها، وطالت معانيها، وجمعت من أصول الإيمان ما تفرّق في غيرها، فكانت آياتها قليلة العدد، عظيمة الأثر، راسخة الدلالة. إنها سورة الإخلاص، التي نزلت ففصلت، وبيّنت فأنجزت، وقطعت دابر الشرك من جذوره، فأقامت للتوحيد صرحًا لا يتصدّع، وراية لا تنكس.
أما سبب نزولها:
لما اشتدّ جدال المشركين، وتطاولت أسئلتهم، وقالوا للنبي ﷺ: صِف لنا ربك، وانسبه لنا، وجاءت أسئلة اليهود والنصارى في معنى ذلك، أرادوا حدًّا، وطلبوا شبهًا، فأنزل الله هذه السورة جوابًا حاسمًا، وكلامًا فاصلًا، لا يحتمل تأويلاً فاسدًا ولا تشبيهًا باطلًا.
ذكر هذا السبب أئمة التفسير، كـالطبري وابن كثير والقرطبي، فكانت السورة ردًّا ربانيًا، وبيانًا قرآنيًا، ينسف الأوهام، ويهدم الأوثان المعنوية قبل الحسية.
تفسيرها:
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾
واحدٌ في ذاته، واحدٌ في صفاته، واحدٌ في أفعاله، لا يتجزأ ولا يُثنّى، ولا يُقاس بغيره ولا يُدانى، تفرّد فاستحق العبادة، وتوحّد فاستوجب الطاعة.
﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾
السيد الذي كمل في سؤدده، والغني الذي استغنى عن خلقه، والمقصود في الشدائد، المرجوّ عند النوائب، لا جوف له ولا نقص فيه، تصمد إليه الخليقة، وتفزع إليه الحقيقة.
﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾
تنزيهٌ عن الحدوث، وتبرئةٌ من النقص، فلا والدٌ يفنى، ولا مولودٌ يُفنى، تعالى عن البنوة، وتقدّس عن الأبوة، وردّ بذلك على كل دعوى زائفة، ونسبة منحرفة.
﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
فلا نظير، ولا شبيه، ولا مثيل، لا في اسمٍ ولا في وصفٍ ولا في فعل، هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، جلّ عن المماثلة، وتعالى عن المشابهة.
أما الأحاديث الصحيحة الواردة في فضلها كثيرة نروي منها :
ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال:
«قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن»،
لأنها جمعت توحيد المعبود، كما جمع القرآن أحكامًا وقصصًا ووعودًا ووعيدًا.
وثبت في صحيح مسلم أن رجلًا كان يكثر من قراءتها حبًا لها، فقال فيه النبي ﷺ:
«أخبروه أن الله يحبه»،
فمحبة السورة طريقٌ إلى محبة الرب، وملازمتها عنوان صدق الإيمان.
وجاء عنه ﷺ أنه قال:
«من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة»، وقد حسّن هذا الحديث جمعٌ من أهل العلم، لما فيه من الترغيب، وبشارة الموحّدين.
لم تكن سورة الإخلاص تلاوةً فحسب، بل كانت عقيدةً تُغرس، ويقينًا يُرسخ، وسورًا يحمي الإيمان من دخن الشرك وريب الشبهات. لذلك كان النبي ﷺ يقرؤها في صلاته، ويختم بها ليله، ويجعلها حرزًا لقلبه ولسانه، لأنها خلاصة التوحيد، وزبدة الرسالات، وميزان الاعتقاد الصحيح.











