ثقافة وفن

«الست»… حين ينتصر الأداء والروح

أثار فيلم “الست” اهتمامًا واسعًا في الأوساط الثقافية والفنية، باعتباره عملًا سينمائيًا يتناول سيرة واحدة من أكثر الشخصيات رسوخًا في الذاكرة العربية، وهي كوكب الشرق أم كلثوم. وقد أتيحت لي فرصة مشاهدة الفيلم كغيري من الحضور، في تجربة سينمائية اتسمت بالعمق والاحترام الكبير لقيمة الشخصية التي يتناولها العمل.
منذ مشاهده الأولى، ينجح الفيلم في شدّ انتباه المتلقي، ليس عبر الاستعراض، بل من خلال بناء درامي متماسك يقترب من الإنسانة خلف اللقب، ويقدّم مسارًا فنيًا وإنسانيًا غنيًا بالتفاصيل. وقد بدا واضحًا أن صُنّاع الفيلم راهنوا على تقديم عمل يوازن بين البعد الفني والبعد الإنساني، وهو ما انعكس إيجابًا على تفاعل الجمهور داخل القاعة.
الأداء التمثيلي شكّل أحد أبرز عناصر قوة الفيلم، حيث جاءت الشخصيات منسجمة مع روح المرحلة التي يجسدها العمل، وقدّمت أدوارها بحسّ عالٍ من الصدق والاتزان. وفي هذا السياق، يبرز أداء منى زكي بشكل لافت، إذ نجحت في تقديم شخصية “الست” برقيّ واضح وحساسية فنية عالية، بعيدًا عن التقليد أو المبالغة، معتمدة على التعبير الداخلي، والنظرة، والصمت، بقدر اعتمادها على الحوار، ما جعل حضورها مقنعًا ومؤثرًا لدى المتلقي.

كما أسهمت بقية الشخصيات في إثراء العمل، سواء من خلال أدوار محورية أو مساندة، حيث بدا الانسجام الجماعي بين الممثلين عنصرًا داعمًا لقوة الفيلم، وهو ما منح مشاهده سلاسة وتماسكًا، وجعل التجربة السينمائية متكاملة في بعدها الدرامي والإنساني.

وقد عكست نوعية الحضور المكانة الرمزية والثقافية التي يحظى بها الفيلم، إذ شهد العرض حضور شخصيات مرموقة من الوسط الدبلوماسي العربي والأجنبي، إلى جانب شخصيات مغربية من فنانين ومثقفين وشخصيات مرموقة، في مشهد يؤكد أن “الست” لم يكن مجرد عرض سينمائي، بل محطة ثقافية جامعة، تُبرز قدرة الفن على جمع الدبلوماسية والثقافة والإبداع في فضاء واحد، وتعكس الدور العابر للحدود الذي يمكن للسينما أن تضطلع به.

وعلى مستوى العرض الثقافي، شكّل تقديم الفيلم بدعوة كريمة من السفير المصري لحظة مميزة، حيث تولّى بنفسه تقديم العمل وإبراز أبعاده الفنية والثقافية، في مبادرة تعكس إيمانًا عميقًا بدور السينما في مدّ جسور التواصل الثقافي. وقد أجمع الحضور على أريحيته، وحسن استقباله للجمهور برحابة صدر، وتفاعله الإيجابي مع الصحفيين والضيوف، حيث أجاب عن أسئلتهم بكل هدوء وانفتاح.

كما عكست أجواء الأمسية الكرم المصري الأصيل، سواء من حيث التنظيم أو حسن الضيافة، وهو ما يُحسب بوضوح للمجهود الكبير الذي بذله السفير وطاقم السفارة، الذين ساهموا في إنجاح هذا الحدث وتحويله إلى لحظة ثقافية راقية تليق بمكانة الفن المصري ودوره التاريخي في تشكيل الوعي العربي.

في المجمل، خرجنا من قاعة العرض بانطباع إيجابي وإعجاب واضح بالفيلم وبالأداء الذي قدّمته شخصياته، وعلى رأسها منى زكي، التي حملت عبء شخصية استثنائية بثقة وهدوء واحترام للذاكرة. ويظل فيلم “الست” تجربة سينمائية تنتصر للأداء والروح، وتؤكد أن استحضار الرموز الكبرى يمكن أن يتم بروح فنية مسؤولة، تجمع بين المتعة والوفاء لقيمة الفن.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا