
في قلب دلهي العتيقة، حيث تتداخل الأسوار مع الذاكرة، ويختلط الحجر بالحكاية، تقف بوابة صامتة كأنها شاهدٌ على عهدٍ لم يُغلق بعد. إنها «تلاقي داروازا» داخل حصن بورانا كيلا، البوابة التي لم تفتح منذ قرون، أو هكذا تقول الرواية المتوارثة، حتى صارت تُعرف في الوعي الشعبي باسم «البوابة المحرّمة». ليست مجرد مدخل حجري مهجور، بل موضع تتقاطع عنده الحقيقة التاريخية مع الأسطورة، ويعجز الزمن عن حسم القصة لصالحه.
شُيّد حصن بورانا كيلا في القرن السادس عشر، ويُنسب بناؤه إلى مرحلة انتقالية بين حكم السلطان شير شاه سوري والإمبراطور المغولي همايون، وهو من أقدم الحصون القائمة في دلهي. للحصن ثلاث بوابات رئيسية، غير أن البوابة الشمالية وحدها حملت هذا الاسم الغريب: «تلاقي داروازا». في اللغة المتداولة، ارتبط الاسم بمعاني المنع والنحس والانقطاع، ومع مرور الأجيال ترسّخت فكرة أن هذه البوابة أُغلقت بعد أن خرج منها ملك أو قائد إلى معركة ولم يعد، فحُكم عليها بالصمت الأبدي، وبقيت موصدة احترامًا للعهد القديم أو خوفًا من تكرار المصير.
في المأثور الشعبي، تتعدد الروايات وتتشابه النهايات. تارة تُروى حكاية ملكة نذرت ألا تُفتح البوابة حتى يعود زوجها منتصرًا، لكنه غاب إلى الأبد، فظلّ الباب مغلقًا على وعد لم يتحقق. وتارة يُقال إن الخروج منها كان نذير شؤم، وإن كل من عبرها لم يعد سالمًا، فاستقرت في الوعي الجمعي كمدخل لا يُطرق ولا يُستدعى. لا وثائق رسمية تثبت هذه الوقائع، لكنها بقيت حيّة في الذاكرة، تنتقل من مرشد سياحي إلى زائر، ومن جيل إلى جيل، حتى أصبحت جزءًا من هوية المكان.
معماريًا، تبدو البوابة ضخمة، مبنية من الحجر الرملي، ذات قوس شاهق وأبراج نصف دائرية، وتعلوها شرفات وزخارف تعكس ملامح العمارة الإسلامية في شمال الهند. صلابتها الخارجية تمنحها هيبة خاصة، وكأنها أُغلقت لا بقرار بشري فقط، بل بإرادة التاريخ ذاته. ورغم أن بوابات أخرى في الحصن ما زالت تُستعمل، فإن «تلاقي داروازا» بقيت خارج الحركة، تُزار بالعين لا بالخطى، وتُقرأ بالحكاية لا بالفعل.
بين المؤرخين، يُنظر إلى قصة «البوابة التي لم تُفتح منذ قرون» بوصفها تعبيرًا رمزيًا أكثر منه حقيقة قاطعة، فغياب الاستخدام لا يعني بالضرورة حظرًا رسميًا دائمًا، لكن قوة الأسطورة جعلت الإغلاق جزءًا من المعنى، لا من القفل فقط. وهنا تتجلى مفارقة الهند القديمة: أماكن تُعرف بوقائعها، وأخرى تُعرف بما قيل عنها، وكلاهما يصنع التاريخ بطريقته.
هكذا، تظل «تلاقي داروازا» بوابة مفتوحة على الخيال ومغلقة في الواقع، شاهدة على قدرة الأسطورة على البقاء حين يصمت الدليل، وعلى أن بعض الأبواب لا تحتاج إلى أن تُفتح كي تحكي قصتها، يكفي أن تقف هناك… صامتة، منذ قرون.











