
لم يعد تغيّر المناخ فرضية نظرية أو تحذيرًا مستقبليًا، بل حقيقة علمية مثبتة تؤكدها الأبحاث الأكاديمية وقياسات العلماء عبر العالم. فقد أجمعت المؤسسات العلمية الكبرى، وعلى رأسها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، على أن النظام المناخي للأرض يشهد تحولات غير مسبوقة في التاريخ الحديث، انعكست بوضوح على أنماط الطقس وحدّته وتواتره.
ارتفاع الحرارة… حقيقة مثبتة علميًا:
تشير تقارير IPCC، الصادرة بمشاركة آلاف العلماء من جامعات ومراكز بحثية عالمية، إلى أن متوسط درجة حرارة الأرض ارتفع بأكثر من 1.1 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة. ويؤكد علماء المناخ أن هذا الارتفاع، رغم أنه يبدو محدودًا رقميًا، كفيل بإحداث اضطراب واسع في الأنظمة الجوية، وزيادة تواتر موجات الحر الشديد، كما حدث في أوروبا، وأمريكا الشمالية، وشمال إفريقيا، حيث تجاوزت درجات الحرارة معدلاتها التاريخية.
أمطار وفيضانات أكثر عنفًا:
وفق دراسات منشورة في مجلات علمية محكّمة مثل Nature Climate Change وScience، فإن الغلاف الجوي الأكثر دفئًا قادر على احتجاز كميات أكبر من بخار الماء، ما يؤدي إلى أمطار أشد غزارة عند حدوثها. ويؤكد علماء الأرصاد أن هذا العامل كان وراء الفيضانات القياسية التي شهدتها آسيا، وأوروبا، وأجزاء من الأمريكيتين، حيث تحولت أمطار قصيرة المدة إلى كوارث مائية.
الجفاف والتصحر… الوجه الآخر للتغير:
في المقابل، توضح أبحاث جامعية صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وجامعات إفريقية وأسترالية أن مناطق واسعة من العالم باتت تعرف فترات جفاف أطول وأكثر تكرارًا، خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط وأستراليا. ويربط العلماء هذا الجفاف بتغير أنماط الرياح والدورات المناخية، ما يهدد الأمن الغذائي ويؤثر مباشرة على الزراعة والموارد المائية.
ذوبان الجليد وارتفاع البحار:
وتشير دراسات وكالة ناسا (NASA) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى أن ذوبان الصفائح الجليدية في القطبين يتسارع بوتيرة مقلقة، ما يساهم في ارتفاع مستوى البحار ويهدد المدن الساحلية والجزر المنخفضة. ويؤكد علماء المحيطات أن هذا الذوبان قد يؤدي أيضًا إلى اضطراب التيارات البحرية التي تلعب دورًا حاسمًا في استقرار مناخ الكوكب.
الأسباب… إجماع علمي واضح:
تجمع الأبحاث الأكاديمية على أن الأنشطة البشرية، وعلى رأسها حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، والتوسع الصناعي غير المستدام، هي السبب الرئيسي في تسريع وتيرة التغير المناخي. ويؤكد علماء المناخ أن الغازات الدفيئة الناتجة عن هذه الأنشطة رفعت تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستويات لم تُسجل منذ ملايين السنين.
بين التكيّف والحد من الخطر:
أمام هذه التحولات، تدعو المؤسسات الأكاديمية والعلماء إلى اعتماد سياسات علمية قائمة على التخفيف من الانبعاثات والتكيّف مع الواقع الجديد، عبر الانتقال إلى الطاقات المتجددة، وحماية الغابات، وتطوير أنظمة إنذار مبكر للظواهر الجوية القصوى. فالتغير المناخي، بحسب العلماء، لم يعد تحديًا بيئيًا فقط، بل قضية تمس الاقتصاد، والصحة، والاستقرار الاجتماعي.
في ضوء هذا الإجماع العلمي، يبدو واضحًا أن العالم دخل مرحلة مناخية جديدة، لم تعد فيها الظواهر المتطرفة استثناءً، بل مؤشرات على تحوّل عميق يتطلب استجابة عالمية قائمة على العلم، قبل أن تتحول كلفة التأخر إلى عبء لا يمكن تداركه.











