
وُلِد عمر بن الخطاب العدويّ القرشي في مكة، ونشأ في بيئةٍ قبليةٍ صارمة، فتكوّنت شخصيته على الجَلَد والانضباط والهيبة. وكان من القلائل الذين عرفوا القراءة والكتابة في قريش، واشتهر بقوة الرأي وصلابة الطبع، فكان قبل الإسلام شديداً على الدعوة الناشئة، يرى فيها تهديداً لوحدة قريش وموروثها، حتى صار اسمه مقروناً بالصرامة والرهبة في المجتمع المكي.
غير أنّ هذا المسار انقلب في لحظةٍ فاصلة، حين ساقته الأقدار—وهو متقلّد سيفه—إلى بيت أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد بعد أن بلغه إسلامهما. وهناك سمع آياتٍ من القرآن كانت تُتلى، فوقف قلبه أمام جلال البيان وقوة المعنى. وتروي السيرة أنّه رقّ لما رأى من ثبات أخته، فطلب الصحيفة، وتطهّر ثم قرأ صدر سورة “طه”، فانشرح صدره للحق، وهدأت حدّته، وسأل عن رسول الله ﷺ، فقُصد به إلى دار الأرقم حيث أعلن إسلامه. وكانت تلك اللحظة نقطة تحوّلٍ كبرى في تاريخ الدعوة.
ومنذ أسلم عمر تبدّلت معادلة الخوف في مكة؛ إذ خرج المسلمون يُظهرون دينهم بجرأةٍ وثبات، وقوي جانبهم، واشتدّ عود الجماعة. وقد اشتهر في هذا السياق القول بأن المسلمين ما زالوا في عزّة منذ أسلم عمر، لما كان له من مكانةٍ وهيبةٍ في قومه.
ثم جاءت مرحلة ما بعد الإسلام، فبرز عمر بن الخطاب مثالاً في الصدق والحزم ونصرة الحق. لازَم النبي ﷺ، ووافقه الرأي في مواضع عدّة، حتى صار اسمه مقروناً بالبصيرة السديدة وقوة التمييز. ووُصفت سيرته بالإلهام والرشد، وقيل إن الحق يجري على لسانه وقلبه، تعبيراً عن صفاء فطرته واستقامته بعد الهداية.
ولم تكن عظمة عمر محصورةً في الشدة، بل اتّسعت للعدل والرحمة وتحمل المسؤولية. فبعد أن كان شديداً في الجاهلية على الإسلام، صار من أشدّ الناس نصرةً له، ومن أعدلهم في الحكم، وأصدقهم في مراقبة الله. حتى لُقّب في الوعي الإسلامي بـ“الفاروق”، لأنه فرّق بين الحق والباطل قولاً وعملاً.
تتجلى سيرة عمر بن الخطاب كسيرة تحوّلٍ أخلاقي وروحي عميق؛ رجلٌ انتقل من صلابة الجاهلية إلى نور الإيمان، ومن حدّة الخصومة إلى سعة العدل، فصار نموذجاً خالداً في بناء الإنسان والدولة، ومثالاً يُستلهم في القوة حين تُقوَّم بالحق، وفي الشدة حين تُزكَّى بالإيمان.







