يُعدّ طارق السكتيوي واحدًا من الأسماء التي بصمت تاريخ كرة القدم المغربية بهدوء وثبات، لاعبًا محترفًا في ملاعب أوروبا، ثم مدربًا وطنيًا ناجحًا جمع بين النجاعة التقنية والخلق الرفيع، في زمن اشتدت فيه الحاجة إلى القدوة داخل المستطيل الأخضر وخارجه.
وُلد طارق السكتيوي بمدينة فاس، ونشأ في أسرة مشبعة بثقافة كرة القدم، حيث ارتبط محيطه العائلي بالرياضة لعبًا وتحكيمًا، ما جعله يتشرّب حب الكرة والانضباط منذ الصغر. كانت بداياته الكروية مع المغرب الرياضي الفاسي، حيث تدرج في فئاته السنية قبل أن يفرض اسمه ضمن الفريق الأول بموهبته التقنية، وهدوئه داخل الملعب، وقدرته على اللعب في أكثر من مركز هجومي.
تألّقه محليًا فتح له أبواب الاحتراف الأوروبي مبكرًا، فخاض تجربة غنية ومتنوعة مع عدة أندية في فرنسا، البرتغال، سويسرا، وهولندا، من أبرزها أوكسير الفرنسي، ماريتيمو البرتغالي، نوشاتيل زاماكس السويسري، فيليم 2 وألكمار الهولنديين، كما جاور لفترة نادي بورتو البرتغالي، قبل أن يختتم مسيرته لاعبًا في الدوري الإماراتي. وخلال هذه المسيرة، عُرف كلاعب منضبط ومحترف، بعيد عن الصخب، مقدّمًا صورة مشرّفة عن اللاعب المغربي في الخارج.
وعلى الصعيد الدولي، حمل قميص المنتخب المغربي في عدة مناسبات قارية، وكان مثالًا للاعب الملتزم الذي يضع مصلحة المجموعة فوق أي اعتبار شخصي.
بعد اعتزاله اللعب، اختار السكتيوي طريق التكوين الهادئ، فحصل على دبلومات تدريب معترف بها أوروبيًا، وبدأ مساره التدريبي من القاعدة، مؤمنًا بأن المدرب الحقيقي يُبنى بالصبر والمعرفة لا بالقفز نحو الأضواء. اشتغل داخل أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، قبل أن يقود عدة أندية وطنية، من بينها المغرب الفاسي، الوداد الفاسي، المغرب التطواني، اتحاد تواركة، ونهضة بركان.
وارتبط اسم طارق السكتيوي بسجل من الإنجازات والألقاب البارزة، حيث تُوّج بـ:
كأس العرش رفقة المغرب الفاسي
كأس الكونفدرالية الإفريقية مع نهضة بركان
بطولة إفريقيا للاعبين المحليين (CHAN)
الميدالية البرونزية في أولمبياد باريس 2024 رفقة المنتخب المغربي الأولمبي
لقب كأس العرب 2025 مع المنتخب المغربي، في إنجاز عربي كبير أكد قدرته على إدارة النهائيات والمباريات الحاسمة بثبات وحكمة
غير أن ما يميّز طارق السكتيوي حقًا لا يختزل في الألقاب وحدها، بل في مناقبه الإنسانية وسلوكه الأخلاقي. فهو مدرب يشهد له اللاعبون بورعه، وتواضعه، واحترامه العميق للإنسان قبل اللاعب. يُصغي، يحتوي، ولا يهين، ويؤمن بأن الانضباط الحقيقي لا يُفرض بالخوف، بل يُبنى بالثقة والعدل، لذلك تحولت غرف الملابس التي أشرف عليها إلى فضاءات استقرار نفسي وتماسك جماعي.
وفي تعامله مع الإعلام والجمهور، ظل مثالًا في الرصانة والمسؤولية، لا يهاجم الحكام، ولا يُلقي الفشل على شماعة الآخرين، بل يتحمل مسؤوليته بشجاعة القائد، ويعترف بالأخطاء بروح تربوية، وهو سلوك نادر في زمن تعلو فيه لغة التبرير والانفعال.
إن سيرة طارق السكتيوي تختزل نموذجًا للمدرب المغربي الذي جمع بين التجربة الاحترافية، والنجاعة التقنية، والقيم الأخلاقية، وأثبت أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بعدد الكؤوس، بل بالأثر الطيب الذي يتركه الرجل في من اشتغلوا معه، وفي الصورة التي يرسمها عن بلده وكرة قدمه.
طارق السكتيوي ليس مجرد مدرب ناجح، بل قيمة رياضية وإنسانية، تؤكد أن الخُلُق الرفيع يمكن أن يسير جنبًا إلى جنب مع أعلى درجات التنافس والإنجاز.







