
يدخل الاقتصاد المغربي نهاية سنة 2025 بصورة مختلفة عمّا عرفه في سنوات الجفاف والتقلبات الخارجية: دينامية نموّ أعلى، تضخم منخفض تاريخيًا، طفرة سياحية لافتة، وتحسّن في عدد من مؤشرات التمويل الخارجي—لكن مقابل ذلك يظلّ عجز الميزان التجاري واتساع الواردات تحديًا بنيويًا، كما يبقى التشغيل—خصوصًا لدى الشباب—من أكبر ملفات “النجاعة الاقتصادية” التي تُختبر بها السياسات العمومية.
نمو أقوى
على مستوى النشاط الاقتصادي، تشير التقديرات الرسمية إلى نمو قوي خلال 2025، مدفوعًا بتحسن الطلب الداخلي وتعافي مكوّنات الإنتاج، مع توقع بلوغ حوالي 5%. ويأتي ذلك بعد أداء فصلي لافت؛ إذ سجّل الاقتصاد نموًا بنحو 4.8% في الربع الأول من 2025، مع ارتفاع ملحوظ للطلب الداخلي.
تضخم منخفض
في جبهة الأسعار، يبرز 2025 كسنة تضخم منخفض، إذ بلغ التضخم السنوي حوالي 0.3% في نونبر 2025، بينما يُرتقب أن يدور متوسط التضخم في حدود 0.8% طيلة السنة. هذا السياق دعم خيار الاستقرار النقدي والإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند مستويات معتدلة، ما ساهم في دعم الاستثمار والاستهلاك.
تجارة بضغط مرتفع
الوجه الآخر للصورة يظهر في التجارة الخارجية، حيث بلغت الواردات خلال الأشهر العشرة الأولى من 2025 ما يقارب 682 مليار درهم، مسجلة ارتفاعًا واضحًا، مقابل صادرات في حدود 385 مليار درهم بنمو أبطأ. هذا الفارق أدى إلى اتساع العجز التجاري وتراجع معدل التغطية، ما يطرح بإلحاح إشكالية رفع المحتوى المحلي وتعويض الواردات بالإنتاج الوطني.
صادرات متحوّلة
قطاع السيارات، الذي شكّل لسنوات قاطرة الصادرات المغربية، عرف تراجعًا نسبيًا خلال 2025، إذ لم تتجاوز صادراته حدود 98.7 مليار درهم إلى غاية غشت، بانخفاض ملحوظ مقارنة بالسنة السابقة. في المقابل، برز قطاع الفوسفاط ومشتقاته كرافعة تعويضية، مع ارتفاع قوي في صادرات الأسمدة، ما ساهم في موازنة جزء من التراجع الصناعي.
سياحة قياسية
السياحة كانت أحد أبرز عناوين الاقتصاد المغربي في 2025. فقد استقبل المغرب حوالي 18 مليون سائح إلى نهاية نونبر، وهو رقم قياسي غير مسبوق. كما بلغت العائدات السياحية إلى نهاية أكتوبر ما يفوق 113 مليار درهم، متجاوزة حصيلة السنة السابقة قبل نهايتها، ما جعل السياحة رافدًا حاسمًا للعملة الصعبة وداعمًا لميزان الخدمات.
تحويلات مستقرة
تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج واصلت أداءها القوي، حيث بلغت حوالي 103 مليارات درهم إلى نهاية أكتوبر 2025. هذه التحويلات تظل من أكثر الموارد استقرارًا، وتلعب دورًا محوريًا في دعم القدرة الشرائية للأسر، وتمويل الاستهلاك، وتعزيز الادخار الوطني.
استثمار متدرّج
على مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر، سُجل تحسن في المداخيل خلال فترات من 2025، حيث بلغت نحو 22 مليار درهم إلى نهاية ماي، مسجلة نموًا لافتًا. ويُراهن على مشاريع كبرى في مجالات الموانئ، الصناعة، والهيدروجين الأخضر لرفع جاذبية المغرب الاستثمارية خلال السنوات المقبلة.
شغل تحت الاختبار
في سوق الشغل، تراجع معدل البطالة إلى حوالي 13.1% خلال الربع الثالث من 2025، مع انخفاض عدد العاطلين إلى ما يقارب 1.63 مليون شخص. ورغم هذا التحسن النسبي، تبقى بطالة الشباب والفئات الهشة تحديًا بنيويًا يتطلب سياسات تشغيل أكثر نجاعة وربطًا بين التكوين وسوق العمل.
بنية للمستقبل
اقتصاد 2025 لا يُقرأ فقط عبر الأرقام الظرفية، بل أيضًا من خلال المشاريع الاستراتيجية. فالمغرب يواصل الاستثمار في البنيات التحتية الكبرى، مع اقتراب دخول ميناء الناظور غرب المتوسط الخدمة، وتقدم أشغال ميناء الداخلة الأطلسي، إلى جانب تسريع مشاريع الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، في أفق تعزيز موقع المملكة كمنصة صناعية ولوجستية إقليمية.
الاتجاه العام
اقتصاد المغرب في 2025 يبعث ثلاث رسائل واضحة:
أن الاستقرار الماكرو-اقتصادي تعزّز بفضل نمو أقوى وتضخم منخفض،
وأن موارد العملة الصعبة توسّعت بفضل السياحة وتحويلات الجالية،
وأن التحديات البنيوية ما زالت قائمة، وعلى رأسها العجز التجاري والتشغيل، ما يستدعي إصلاحات أعمق لرفع الإنتاجية وتحقيق نمو شامل ومستدام.







