عربية وشرق اوسط

ماذا تقول زيارة روبيو ونتنياهو للقدس؟

عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

في صبيحة مشحونة بالتوترات الإقليمية، وبينما تزداد الضغوط على الأرض في قطاع غزة والقدس، اختار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مرفوقَين بالسفير الأميركي مايك هاكابي، التوجه إلى ساحة حائط البراق، في قلب مدينة القدس الشرقية المحتلة، في زيارة وُصفت بـ”الاقتحام الصامت”.
رغم صمت المدافع، إلا أن الصورة كانت ناطقة؛ زعيم دولة الاحتلال والمسؤول الأول عن دبلوماسية الدولة العظمى في العالم، يقفان أمام أحد أقدس رموز المدينة، في مشهد يبعث برسائل تتجاوز بكثير ما قيل في التصريحات الرسمية. فهل كانت هذه الزيارة مجرد تحرك بروتوكولي؟ أم أنها حملت في طياتها رسائل سياسية وعقائدية تعيد ترتيب مشهد الصراع في القدس؟
حائط البراق، الذي يُعد جزءًا لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، ليس مجرد موقع ديني، بل رمز سيادي وركيزة قانونية في معركة الهوية والشرعية. واقتحامه من طرف مسؤولين بهذا الحجم، وفي هذا الظرف الإقليمي المتأزم، لا يمكن اعتباره إلا استفزازًا محسوبًا ورسالة سياسية مدروسة.
تأتي الزيارة في وقت تتصاعد فيه وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ووسط تنديد واسع بالهجوم الإسرائيلي الأخير على دولة قطر. وعلى ضوء هذه التطورات، بدا الاقتحام بمثابة إعادة تأكيد على “تحالف صلب”، وفق ما صرح به نتنياهو، حين قال إن “التحالف الأميركي الإسرائيلي قوي كحجارة حائط المبكى”.
اللافت في هذه الخطوة لم يكن فقط تزامنها مع التصعيد، بل طبيعتها الرمزية التي تم تنفيذها بهدوء شبه تام، دون إعلان مسبق، أو جدول رسمي واضح، وكأنها خطوة في الظل تهدف إلى ترسيخ أمر واقع بعيدًا عن الضجيج الإعلامي.
غير أن صمت الإعلام الرسمي الأميركي، واكتفاء الخارجية الأميركية ببيان مقتضب عن جولة روبيو، يثير التساؤلات حول مدى تواطؤ المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة مع سياسات تهويد القدس. فحين يكون “الصمت موقفًا”، يتحول الحياد إلى انحياز.
السلطة الفلسطينية ومحافظة القدس عبّرتا عن استنكارهما الشديد، واعتبرتا ما جرى “اعتداءً صارخًا على الوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة، وخرقًا للسيادة الفلسطينية، واعتداءً على الوصاية الهاشمية”. كما طالبتا المجتمع الدولي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، بالتحرك العاجل لوقف هذا النوع من الانتهاكات، والتصدي لمحاولات فرض أمر واقع احتلالي.
بيان محافظة القدس أشار أيضًا إلى أن مشاركة المسؤولين الأميركيين في هذه الزيارة بصفتهم الرسمية تُعد “تواطؤًا مرفوضًا مع سياسات الاحتلال، وتغاضيًا عن الجرائم اليومية المرتكبة بحق المدينة وسكانها ومقدساتها”.
الزيارة التي لم تُرافقها مواجهات ميدانية أو عمليات عسكرية، شكّلت مع ذلك تصعيدًا خطيرًا من نوع مختلف. هو تصعيد ناعم، لكنه يضرب في عمق المسلمات التاريخية التي قامت عليها الوصاية الإسلامية على المقدسات في القدس، ويعيد طرح سؤال محوري: هل الصمت الدولي بات يضفي شرعية تدريجية على الاحتلال؟ وهل تحوّلت المواقع الدينية إلى أوراق تفاوض سياسي بأيدٍ غير معنية بتراث المدينة وتوازناتها الروحية؟
القدس ليست حجارة وأبنية فقط، بل هي مركز ثقل رمزي لعقائد وتاريخ شعوب بأكملها. وكل اقتحام بصمت، أو بكل صخب، هو طعنة في خاصرة القانون الدولي، وتعدٍّ على قرارات مجلس الأمن، ونسفٌ لمبدأ “الوصاية والحماية”.
إن زيارة من هذا النوع، في هذا التوقيت، تحتاج إلى أكثر من استنكار لفظي. فهي تفرض على الفاعلين الدوليين إعادة النظر في مقاربتهم للملف الفلسطيني عامة، وللقدس على وجه الخصوص، وتذكّر بأن المدينة لا تزال خطًا أحمر، مهما طال زمن الاحتلال أو حاول البعض فرض النسيان.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا