وطنيةمجتمع

المغرب.. وطن ينهض بالسلم لا بالفوضى، وعرشه درع الوحدة في وجه العاصفة

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾
في خضمّ موجة من الأخبار الزائفة التي روّجتها بعض المنابر الجزائرية حول ما زعمت أنه “حصار للقصر الملكي من طرف حركة Z212″، وفي خضم حملات التضليل التي استعملت صورًا من معارك في نيبال وقدمتها على أنها من شوارع المغرب، برز مرة أخرى معدن المغاربة الأصيل. فالشعب الذي علّم العالم معنى التماسك والتلاحم، رفض الانجرار وراء التحريض، ووقف صفًا واحدًا خلف ثوابته الوطنية، مؤكدًا أن الاحتجاج حقّ مشروع، ولكنّ الفوضى جريمة لا تغتفر.

لقد سعت بعض الأصوات المغرضة خارج حدود الوطن إلى تحويل المطالب الاجتماعية المشروعة إلى معركة ضد الدولة ومؤسساتها، بل وصل بها الحقد إلى تقسيم المغرب على خرائط تشبه النظام الإداري الجزائري، في استنساخ مريض لرغبة دفينة في رؤية المغرب منقسمًا وضعيفًا. غير أن الرد جاء واضحًا من داخل البلاد، حين نفت حركة “Z212” كل ما نُسب إليها وتبرأت من التصريحات الكاذبة، وأكدت أن احتجاجها سلمي، وأنها لا تنتمي إلى من اختار طريق الحرق والتخريب والتدمير.

وهنا تتجلى عظمة المغاربة، الذين رغم اختلافاتهم الطبيعية، يظلون مجمعين على ثوابت لا تقبل المساومة: الوطن فوق الجميع، والملك رمز وحدتنا، والعرش هو مرجعنا الجامع الذي ظلّ على مرّ العصور صمام الأمان وسور الاستقرار. فالشعب المغربي جسد واحد، قد يتألم حين تصيبه أزمة أو معاناة، لكنه لا يقطع يده ولا يحرق نفسه، بل يعالج جراحه بالإرادة والحكمة، ويعود أقوى مما كان.

قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.”

إن المؤسسة الملكية في المغرب لم تكن يومًا بعيدة عن نبض الشارع، بل ظلت دائمًا تصغي لهموم المواطن وتتبنّى مطالبه المشروعة. التاريخ القريب والبعيد شاهد على ذلك، فكم من إصلاح انطلق بإشارة ملكية استجابة لصوت الشعب، وكم من توجيه ملكي كان بداية لتحول اجتماعي واقتصادي عميق. فغضب الشعب من غضب الملك، لأن العرش في المغرب لم يكن سلطة مفصولة عن الناس، بل كان ولا يزال مؤسسة الشعب الكبرى التي تحس بآلامه، وتفرح لفرحه، وتنتصر لقضاياه. الأيام القادمة كفيلة بأن تُثبت أن الإصلاح قادم، وأن العدالة الاجتماعية ستأخذ مجراها، لأن روح الإنصاف والعدل مغروسة في وجدان جلالة الملك محمد السادس، نصره الله.

الاحتجاج السلمي، في جوهره، تعبير حضاري عن حب الوطن، لا عن كراهيته. هو صرخة من أجل الإصلاح، لا من أجل الفتنة. والدستور المغربي نفسه يكفل هذا الحق لكل مواطن، شريطة أن يتم في إطار القانون والاحترام المتبادل بين المواطن والدولة. أما التخريب والحرق والاعتداء على الممتلكات، فليست من شيم المغاربة، ولا من قيمهم، بل هي انزلاق نحو هاوية لا عودة منها. ومن يقوم بذلك لا يمثل صوت الشعب ولا ضمير الأمة، بل يشوه النضال الشريف الذي خرج من أجله المواطنون السلميون للمطالبة بالعدالة والكرامة.

لقد رأينا في العالم نماذج مؤلمة لدول كانت تنعم بالأمن والازدهار، ثم انجرفت مع تيار الفوضى والعنف، فانهارت مؤسساتها واحترقت أوطانها. في سوريا، بدأت القصة بشعارات مطلبية سلمية، وانتهت بدمار المدن وتشريد الملايين. في ليبيا، تحولت الصرخة من أجل الإصلاح إلى رصاص ودماء وميليشيات تتناحر على الأطلال. في اليمن، أضاعت الحرب كل حلم بالسلام. تلك الدول لم تخسر فقط عمرانها، بل فقدت نسيجها الإنساني والاجتماعي، وصار الوطن عندها ذكرى موجعة بعد أن كان بيتًا آمنًا.

أما المغرب، فقد اختار عبر تاريخه طريقًا مختلفًا: طريق الحكمة، والإصلاح في ظل الاستقرار، والسلم في ظل الشرعية. فعرشه ظل صمام الأمان الذي يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يقصي، ويقود البلاد بثبات نحو التقدم رغم العواصف. ومن حول هذا العرش، التفّ المغاربة عبر الأجيال، لأنهم يدركون أن لا كرامة بلا وطن، ولا وطن بلا استقرار، ولا استقرار بلا وحدة.

والمغربي، في أي مكان من العالم، يبرهن على هذه الروح الاستثنائية. يكفي أن يلتقي مغربي بمغربي آخر في الغربة، حتى تتحول المعرفة العابرة إلى أخوة حقيقية، والعناق إلى وطن مصغر. هذه هي التربية المغربية الأصيلة، التي لا تعرف الكراهية، بل تتنفس المحبة والتآزر والوفاء.

اليوم، المغرب لا يحتاج إلى من يزايد عليه في الوطنية، بل إلى من يشاركه الإيمان بأن الوطن مسؤولية جماعية، وأن النقد لا يعني العداء، وأن المطالبة لا تكون بالهدم بل بالبناء. فالشعب المغربي العظيم، الذي صمد أمام الاستعمار والمؤامرات والشدائد، قادر أن يصمد أيضًا أمام حملات التضليل والفتن.

> قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا إسلامَ بلا جماعة، ولا جماعةَ بلا إمارة، ولا إمارةَ بلا طاعة.”

فليعلم من يتربص بهذا البلد أن المغرب، برجاله ونسائه، بشبابه وملكه، واحد لا يتجزأ. وإذا مرض فيه عضو، فإن الجسد كله يهب لعلاجه لا لبتره. فالمغاربة جسد واحد وروح واحدة، وعرشهم هو قلب هذا الجسد النابض بالحياة والإيمان. ومن يحاول زرع الفتنة بينهم، فليتذكر قول الله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

وهكذا سيبقى المغرب، بإيمانه، ووفائه، وملكه، وشعبه، وطنًا لا تهزه الأكاذيب، ولا تكسره الفتن، لأنه ببساطة… بلد لا يُهزم ما دام عرشه وشعبه قلبًا واحدًا.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا