أراء وكتاب

مؤتمر حزب العدالة والتنمية يكشف عن خبث مكنوناته

لحسن الجيت

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

كما هو متعارف عليه عند الأحزاب السياسية الحقة حينما تعقد مؤتمراتها لتجديد هياكلها وتحيين سياساتها بتطويرها وفق ما تمليه المستجدات، فهي بذلك قد تضرب موعدا لنفسها بجعل ذلك المؤتمر محطة مفصلية تكشف فيه للرأي العام الداخلي عن سياساتها وبرامجها من مختلف القضايا الوطنية. وعادة ما تتخذ تلك الأحزاب شعارا لمؤتمرها الذي يفترض فيه أن يكون شعارا وطنيا بامتياز لا تشوبه شائبة بإغراق كل ما هو وطني أو تهميشه لخدمة قضايا الآخرين أو بالأحرى للتستر عن عدم القدرة على طرح سياسات بديلة من موقع المعارضة تستند على قراءة الواقع قراءة جيدة لكل مداخلاته ومخرجاته في نظرة شمولية.
الظاهر أن مؤتمر حزب العدالة والتنمية كان أبعد من ذلك، وكان دون المستوى المطلوب وطغت عليه شخصية ومزاجية أمينه العام السيد عبدالإله بنكيران وأصبحت هي المتحكم في كل صغيرة وكبيرة من مجريات ذلك المؤتمر إلى درجة أن تأكد للجميع بأن الحزب حاضره ومستقبله أصبح مرهونا بشخصية قائده الذي لا يرسو على شط.
من علامات ذلك أنه بدلا من أن يحتكم شيخهم إلى منطق العقل وأن يبدي الاتزان كمسؤول سياسي يواجه خصومه بالحجة والبرهان ذهب كعادته في الاتجاه السلبي بالتهجم على الناس والاستخفاف بهم ولم يستثن حتى أولئك الذين وجهت إليهم دعوات لحضور مؤتمر حزبه. وقد شهد شاهد من أهلها بعد أن وصف واحد من قادة الحزب بالقول إن عبدالإله بنكيران رجل “فوضوي” وهي شهادة يمكن أخذها على محمل الجد للوقوف على حقيقة ثابتة بأنه لا يتوفر على مؤهلات مطلوبة لكي يكون “رجل دولة” في وقت يسوق فيه نفسه مبكرا بأنه رجل المرحلة القادمة.
العبثية كانت واضحة في أشغال المؤتمر سواء على مستوى التنظيم أو على مستوى النتائج والمخرجات السياسية ‘ن هي وجدت. بخصوص الجانب المتعلق بالتنظيم بدا واضحا أن قيادة الحزب كانت أبعد بكثير من أن تستحضر البعد الوطني في الدعوات التي وجهتها إلى الضيوف عير المرغوب فيهم. وجود هؤلاء الضيوف حول منبر مؤتمر الحزب إلى منبر مناوئ ومتحامل على المغرب. من ذلك أحد قياديي حزب الرفاه الجديد التركي المدعو “دوغان بيكين” كان واحدا من الضيوف المبجلين لدى حزب العدالة والتنمية رغم مواقفه المناوئة للمغرب. ولأنه كذلك، سمح له من منبر المؤتمر أن يزج بنفسه في الشؤون الداخلية للدول العربية التي نسجت علاقاتها مع إسرائيل مبشرا بإسقاطها ومن بينها المغرب في إشارة واضحة منه على أن الحكم في النهاية سيؤول إلى حزب العدالة والتنمية. وخاطب جمهور المؤتمرين بكل وقاحة على أنكم كشعوب ستتولون هذه المهمة.
لم يكن ذلك التحريض فقط على مرأى ومسمع عبدالإله بنكيران بل قوبل بتصفيق حار من أنصار الحزب . وهي رسالة واضحة وخطيرة لا يمكن فهمها إلا في سياق تعاون غير معلن بين حزب الرفاه كحزب إسلامي وحزب العدالة والتنمية اللذان ينهلان من منبع واحد ومرجعية واحدة عابرة للحدود وفي اتجاه واحد لأن السيد عبدالإله بنكيران لن يجرأ على الإطلاق يوما ما أن يتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا. ومن أين قذ ياتيه السيد عبدالإله بنكيران ذلك الحماس الذي يظهره على الدوام في مناهضة التطبيع لكي يعبر عن مثله تجاه تركيا أردوغان. هل هي تبعية أم وصاية أم أن هناك حبل سري. الخبر اليقين عند السيد بنكيران.
ضيف آخر وهو أثقل من سابقه كان موضع ترحاب هلل له المؤتمر وأحاطه السيد بنكيران بما يلزم من العناية ويتعلق الأمر بالداعية والشيخ محمد ولد الحسن الددو. هذا الشيخ سبق له أن أدلى بتصريحات معادية للوحدة الترابية للمملكة المغربية بعد أن اعتبر أن مساندة الولايات المتحدة الامريكية واعترافها بالسيادة المغربية على اقاليمه الصحراوية لا يختلف عن اثبات حيازة قطعة على ارض القمر “، مضيفا “أن اعتراف أمريكا للمغرب بالصحراء الغربية مثل اعترافهم بإسرائيلية القدس والجولان . اعتراف بلا أثر قانوني”.
إن إحضار حزب العدالة والتنمية لشخصيات معادية للوحدة الترابية هو استفزاز لمشاعر المغاربة واستخفاف بكل التضحيات وبدم الشهداء الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل أن يكون لنا وطن نستظل به. حزب العدالة والتنمية تنكر لكل ذلك بعد أن اختار هذا الطريق وتعامل بهذا الأسلوب وليثبت بالدليل القاطع أنه غير مؤهل لكي يكون كما ينتظر من الأحزاب الوطنية أن تدلو بدلوها في ما يعرف بالدبلوماسية الموازية التي يفترض فيها أن تدعم الدبلوماسية الرسمية باقتحام مجالات لا يليق بسياسة الدولة أن تقتحمها. وبدلا من ذلك الدور المنتظر والمعول عليه، نلاحظ أن حزب العدالة والتنمية ذهب إلى ما هو أخطر في اتجاه التشويش على المكتسبات التي حققتها دبلوماسية ملك.
بل أكثر من ذلك، وجد قادة هذا الحزب أنفسهم في ارتباك شديد أمام حالة الغضب التي انتابت الرأي العام المغربي حيال هذه الدعوة المشؤومة، فلم يجدوا لها تبريرا سوى هروبهم إلى الأمام بالادعاء أن النجاح الذي حققه مؤتمرهم هو الذي حمل البعض الى التشويش على الحزب ومحاولة الإساءة إليه من خلال حضور ذلك الداعية. هذه الحجة الواهية سقطت كالصاعقة على رؤوس من دفعوا بها وانطفأ وميضها وتبين أن أصحابها عاجزون تماما عن التبرير، بل أن المدعو عبدالله بوانو خرج خرجته لينطبق عليه القول المأثور “أن اللقلاق حينما أراد أن يقبل صغيره أفقع عينه” بعد أن أعلن أن هذه الزيارة التي قام بها الشيخ الموريتاني ليست هي الأولى من نوعها بما يفيد أنه كان يتردد عليهم. وهنا وجب طرح السؤال على السيد بوانو وغيره ما هو دوركم كقياديين في الحزب وكمغاربة قبل كل شيء إن لم تجعلوا من لقاءاتكم مع ذلك الشيخ فرصة للتأثير عليه في اتجاه ما يخدم قضيتنا الوطنية. فهذا دوركم وليس دور الدولة المغربية. من هكذا قضايا يمكن أن نقيس مدى وطنية الأحزاب التي نلاحظ مع الأسف بأنها لا تتخلى فقط عن دورها، بل تشوش عن قصد أو غير قصد على الخيارات الوطنية للدولة.
ثالثة الأثافي قيل أن حزب العدالة والتنمية استيقظ فسولت له نفسه أن يوجه الدعوة لقيادة حماس إلى هذا المؤتمر. هذه الدعوة كشفت عن الأحشاء وعن المكنونات كونها لا تخلو هي الأخرى من كمين نصب لكي يقع فيه المغرب ولكي تفتح نيران ضده إن هو استضاف على أرضه عناصر من حركة حماس التي تدرجها واشنطن في قائمة الإرهاب. إذن هل هذه الدعوة بريئة أم أن القصد منها هو العمل في اتجاه دفع واشنطن إلى تغيير سياستها تجاه المغرب وتأليبها عليه كي ترتاح جماعة بنكيران وتنام قريرة العين. هذا ما يعول عليه النظام الجزائري ويتمنى أن يصل المغرب إلى مرحلة القطيعة بينه وبين واشنطن. إنكم تشتغلون على أجندة أقل ما يقال فيها بأنها غير وطنية وهي ملك للغير وليس لكم.
كل وقائع هذا المؤتمر تقيم الحجة عليكم. تحدث شيخكم عن الديمقراطية وعن الحرية وهو أبعد بكثير من أن يكون كذلك بدليل أنه تعمد أن يقصي خصومه في “البيجيدي” من الأمانة العامة لأنهم أشد المنافسين له وقام بتنصيب من يواليه وإقصاء من يخالفه الرأي. حديث الشيخ في الديمقراطية لا يختلف عن من يغربل الماء.
أين هي تلك الديمقراطية والحرية التي يتبجح بها السيد عبدالإله بنكيران والمشهد داخل قاعة المؤتمر مرعب ويكاد أن ينفجر بارتفاع الأصوات الخشنة وهي تنادي “بالتكبييييير” وكأنهم في حالة جهاد ضد الكفار أو كأننا لسنا في دولة إمارة المؤمنين. هذا المشهد البشع يؤكد أن هذا الحزب هو عبارة عن جماعة من القطيع بمجرد أن يأمرها الراعي حتى “تبعبع” . فما الفرق إذن بين هؤلاء القطعان عندنا وقطعان حزب الله الذين كان يأمرهم حسن نصر الله بالموت حتى يستجيبوا له. ومن يستعين بالتكبير في هذا المؤتمر فهو يقدم الدليل على أنه لا يملك برنامجا سياسيا ورؤيا واضحة سوى إنه يلجأ إلى التغطية عن هذا العجز بقضية لها أهلهاولا تسمن ولا تغني المواطن المغربي من جوع. فماذا سيقدم “البيجدي” للمغاربة من برنامج يغطي تطلعاتهم واحتياجاتهم بحلول الاستحقاق الانتخابي. ففاقد الشيء لا يعطيه. ولا ينفع المغاربة في شيء إن دخلت حماس قلوبكم وعقولكم. فهل هذا يعني أنكم ترفعون التحدي في وجه الدولة أم لكم في ذلك مقابل علمه عند الله.

اهم الاخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا