اسلاميات

النبي دانيال… سيرة العابر بين الإمبراطوريات من التوراة إلى التراث الإسلامي

يُعدّ النبي دانيال عليه السلام من الشخصيات النبوية الجامعة بين الديانات السماوية الثلاث: الإسلام واليهودية والمسيحية، وقد ارتبط اسمه بالحكمة وتفسير الرؤى والثبات على الإيمان في زمن الطغيان. عاش في مرحلة تاريخية شديدة الاضطراب، تعاقبت فيها إمبراطوريات، وسقطت عروش، وظهر فيها الصراع بين التوحيد وعبادة الأصنام.

أصل دانيال ونشأته في فلسطين:
تجمع المصادر اليهودية والمسيحية والإسلامية على أن دانيال من بني إسرائيل، وُلد في أرض فلسطين قبل خراب بيت المقدس على يد الملك البابلي نبوخذ نصّر في القرن السادس قبل الميلاد. وكان من أسرة شريفة، واشتهر منذ صغره بالذكاء والطهارة وحبّ العبادة.

وعندما اجتاح البابليون القدس، سبوا الآلاف من بني إسرائيل، وكان دانيال من بين الأسرى الذين نُقلوا إلى بابل، حيث بدأت رحلته الكبرى مع الحكم والملوك.

دانيال في بابل… من الأسر إلى بلاط الحكم:
تذكر سفر دانيال في العهد القديم أن دانيال ورفاقه (شدرخ وميشخ وعبد نغو) اختيروا لخدمة قصر الملك، لما امتازوا به من العلم وحسن الخلق. لكنهم رفضوا أكل طعام القصر المخصص للأوثان، فحفظهم الله وازدادوا صحة وحكمة، حتى فاقوا جميع الحكماء.

وهنا برزت أعظم كرامات دانيال:
تفسير الأحلام والرؤى:
رأى نبوخذ نصّر حلمًا عظيمًا أفزعه، ولم يستطع أحد من الكهنة أو المنجّمين تفسيره، بل عجزوا حتى عن معرفة الحلم نفسه. فاستدعى دانيال، فأوحى الله إليه بالحلم وتفسيره، وأخبر الملك بأن مملكته ستزول، وأن دولاً ستقوم بعدها.
فآمن نبوخذ نصّر بعلم دانيال، ورفعه إلى أعلى المناصب في الدولة.
فتنة السجود للأصنام وثبات دانيال:
تجمعت الحسد والعداوة في صدور الكهنة والوزراء، فدبّروا مؤامرة ضد دانيال، وأقنعوا الملك بإصدار مرسوم يمنع الدعاء لأي إله غير الملك لمدة ثلاثين يومًا.
لكن دانيال رفض أن يترك دعاء الله، فقبضوا عليه وأُمر بإلقائه في جبّ الأسود.
وتتفق التوراة والمصادر الإسلامية على أن:
الأسود لم تمسّه بسوء، وبات آمنًا بقدرة الله، وخرج سالمًا برعاية إلهية عظيمة.

فعندما رآه الملك حيًّا، زاد يقينه برب دانيال، وأمر بإطلاق سراحه وإهلاك المتآمرين.
دانيال وانتقال الحكم إلى الفرس:
عاش دانيال مرحلة سقوط بابل وقيام الدولة الفارسية بقيادة قورش (كورش الكبير). وتذكر المصادر اليهودية أن دانيال كان له دور في إقناع قورش بالسماح لليهود بالعودة إلى القدس وإعادة بناء الهيكل.

وقد استمر دانيال في حياته الطويلة:
*داعيةً للتوحيد
*مفسّرًا للرؤى
*شاهدًا على زوال الطغاة
*ومعلّمًا للأجيال أن الملك زائل، والحق باقٍ

مكانة دانيال في الإسلام:
رغم أن اسم دانيال لم يرد صريحًا في القرآن الكريم، إلا أن جمهورًا واسعًا من علماء المسلمين عدّوه نبيًا حقيقيًا، ومنهم:
ابن كثير والطبري والقرطبي.
وجاء في الروايات الإسلامية أنه عند فتح تُستر في فارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، عُثر على قبر فيه جسد محفوظ لم يتحلل، ومعه كتاب يرصد أحداث المستقبل، فقيل إن ذلك هو قبر النبي دانيال.

فأمر عمر بن الخطاب بدفنه سرًّا في نهر، حتى لا يُفتتن الناس بقبره.
دانيال في المسيحية:
تعتمد المسيحية بالكامل على سفر دانيال في العهد القديم، وتعدّه من أعظم أنبياء الرؤيا، بل إن كثيرًا من نبوءاته استُخدمت لاحقًا في تفسير أحداث آخر الزمان، وظهور المخلّص، ونهاية الطغاة.

اختلاف مكان قبره:
لا يوجد إجماع قاطع على موضع قبر النبي دانيال، وتوجد مزارات عدّة تُنسب إليه:
كركوك – العراق
تُستر – إيران
طرسوس – تركيا
السوس – إيران
وكلها تشير إلى عظمة شخصه وامتداد أثره في الجغرافيا والتاريخ.

الدروس العظيمة من حياة النبي دانيال:
سيرة دانيال تحمل دروسًا عظيمة مشتركة بين الديانات الثلاث:
_أن الإيمان لا يهتز أمام العروش.
_أن الطغيان لا يدوم.
_أن النجاة في الثبات لا في المساومة.
_أن العلم مع الإيمان يصنع المعجزات.
_أن دول الظلم مهما عظمت فإلى زوال.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا