
ما وقع اليوم السبت 29 نونبر 2025 داخل أحد مطاعم سلسلة «ماكدونالدز» بمدينة المحمدية لا يمكن تصنيفه في خانة الأعطال التقنية العادية، بل يضعنا أمام سؤال أخلاقي وقانوني صريح حول معنى احترام المستهلك. زبناء دخلوا المطعم وهم يتوقعون الحصول على وجبات كاملة كما هو معلن، تتضمن الطعام والمشروب الغازي، لكنهم فوجئوا بتقديم قنينة ماء بدل المشروبات، بدعوى أن آلة المشروبات معطلة، مع الإبقاء على نفس التسعيرة دون أي تخفيض أو اقتراح بديل يعادل قيمة المشروب الأصلي. هنا يتوقف المنطق عند حدوده، إذ لا يعقل أن يؤدي المستهلك ثمن منتوج كامل ليُسلَّم منتوجاً ناقصاً، ولا يعقل أن يتحمل تبعات خلل تقني لا علاقة له به من قريب أو بعيد. العطل، إن وُجد، تتحمله المؤسسة لا الزبون، لأن العلاقة التجارية قائمة على مبدأ واضح هو أداء ثمن خدمة مقابل الحصول عليها كاملة دون نقصان أو تحايل. ما جرى اليوم لا يمكن فهمه إلا باعتباره شكلاً من أشكال الجشع المقنّع بعذر تقني، خاصة أن المشروب عنصر أساسي في تركيبة الوجبة وليس امتيازاً ثانوياً يمكن الاستغناء عنه دون أثر على السعر. الأخطر في الواقعة ليس استبدال المشروب بقنينة ماء في حد ذاته، فالماء نعمة، بل في الرسالة التي يحملها هذا السلوك، وهي أن على المستهلك أن يدفع الثمن كاملاً حتى عندما تُنقص الخدمة، وعليه أن يتقبل الأمر الواقع دون نقاش. هذا المنطق يتناقض بشكل مباشر مع روح ومقتضيات القانون المغربي رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، الذي يضمن حقه في الإعلام الواضح والصحيح، وحقه في الاختيار الحر، ويجرّم كل ممارسة تجارية مضللة أو ناقصة المعطيات. عندما يُعرض منتوج على أنه يشمل عنصراً معيناً ثم يُحذف هذا العنصر مع الإبقاء على نفس السعر، فنحن أمام إخلال واضح بشروط البيع، وقد نكون أمام ممارسة تقترب من التغرير التجاري. ما وقع في المحمدية اليوم لا يسيء فقط إلى زبناء المطعم، بل يضر بصورة علامة تجارية عالمية يفترض أنها تبني سمعتها على الجودة والانضباط والاحترام. الزبون لا يطلب امتيازاً ولا خدمة إضافية، بل يطالب بحقه البسيط في التناسب العادل بين ما يدفعه وما يتسلمه. إما أن تُقدَّم الوجبة كاملة كما هي معلن عنها، أو يُراجع السعر فوراً، أو يُعرض بديل يعادل القيمة الحقيقية للمنتوج، أو يُقدَّم اعتذار واضح يحفظ كرامة المستهلك. غير ذلك، يبقى ما حدث اليوم سلوكاً مرفوضاً أخلاقياً ومداناً من زاوية حماية المستهلك، ويطرح بإلحاح سؤال حدود الجشع التجاري حين يغيب الضمير وتُختبر ثقة المواطنين في المؤسسات والعلامات الكبرى.








