ثقافة وفن

أسطورة حجر القدر

حكايات من الثرات العالمي

يا سادة يا كرام، حدّثوا ولا حرج، ففي قديم الزمان، حين كانت الأرض عطشى والسماء بخيلة، كانت هناك مملكة عظيمة اسمها “مملكة الرمال السبعة”، يحكمها ملك عادل يُدعى النعمان بن السعد.
كان الملك محبوباً بين قومه، لكنه حزين القلب، لأن المطر انقطع سبع سنين، والأنهار جفّت، حتى صار الناس يبيعون الماء بوزن الذهب، وصرخ الأطفال من الظمأ كما تصرخ الطيور في القفار.

وفي ليلةٍ من ليالي اليأس، بينما كان الملك ساجداً في قصره يبكي بين يدي الله، رأى في منامه شيخاً طاعناً في السن، لحيته بيضاء كضوء القمر، وعيناه كنجمتين في ليلٍ عميق.
قال له الشيخ بصوتٍ رخيمٍ يملؤه الغيب:

“يا نعمان، إن في الجبل الأسود حجراً اسمه حجر القدر، من لمسته يدٌ صافية القلب انفجر له الماء من تحت قدميه، لكنه لا يُنال بالسيوف ولا بالذهب، إنما يُنال بنقاء السريرة.”

استيقظ الملك مذعوراً، ثم نادى وزراءه وقادة جنده، وأخبرهم بالرؤيا. فتعالت الأصوات، هذا يقول: “سنذهب ونأتي به في يومين”، وآخر يصرخ: “أنا فارس البلاد، سأظفر به وحدي.”
لكن الملك لم يجبهم، بل قال في نفسه:

“الشيخ قال: لا يناله إلا من طهر قلبه… وأي قلبٍ أنقى من قلبٍ خالٍ من الطمع؟”
وفي الصباح، خرج الملك متخفياً بثوب مسافرٍ بسيط، وترك تاجه وسيفه في القصر، وسار نحو الجبل الأسود.
كان الجبل كالعجوز الغاضب، تعصف به الرياح وتنهار على جانبيه الصخور. سلك الملك درباً وعراً لا يعرفه بشر، يسمع فيه صفير الريح كأنها أنين أرواحٍ تائهة.
وبينما هو يصعد، لمح في الظلّ رجالاً يحملون الذهب والسيوف، وجوههم شاحبة، كأن لعنة حلت بهم.
قال له أحدهم:
“ارجع يا ملك الرمال، فالحجر لا يُعطي ماءً بل موتاً لمن دخله طامعاً.”
لكن الملك تابع طريقه، لا يلتفت ولا يتردد. حتى إذا بلغ قمة الجبل، انشقّت صخرة عظيمة كأنها تفتح له باباً من نور، وسمع همساً في داخله يقول:
“يا نعمان، اقترب بخطوة صدق.”
فدخل، فرأى الحجر… صغيراً، أسود اللون، لكنه يشعّ كالقمر حين يبتسم البحر.
مدّ يده وقال:
“اللهم لا أطلب به مُلكاً ولا مجداً، بل حياةً لعبادك.”
وما إن أمسك الحجر حتى اهتزّ الجبل، وسمع خرير ماءٍ يتفجّر من تحته. وعاد الملك مسرعاً، يحمل الحجر إلى العاصمة، ووضعه في بئرٍ قديمة كانت مهجورة منذ سنين.
ويا للعجب! ما إن لامس الحجر الماء حتى انفجرت الأرض عيوناً وأنهاراً، وعمّ الخصب والفرح كل البلاد، وغنّت الطيور في سماءٍ لم تعرف الغناء منذ أعوام.
حينها أمر الملك أن يُكسر الحجر إلى سبع شظايا، تُوزّع على أنحاء المملكة، وقال:
“ليكن هذا الحجر رمزاً لنقاء القلب، لا للسحر والقوة.”
ومنذ ذلك الحين، ظل الناس يتناقلون الأسطورة، جيلاً بعد جيل، ويقولون في أمثالهم:
“من أراد ماء الحياة، فليشرب من صفاء قلبه، لا من بئرٍ في الجبل.”

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اشتراك

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا