
يشهد الشرق الأوسط تصعيدًا حادًا في التوترات بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، وسط مخاوف متزايدة من اندلاع مواجهة عسكرية قد تهز استقرار المنطقة بأكملها. تطورات الملف النووي الإيراني، والاستعدادات العسكرية الإسرائيلية، والتحركات الأمريكية الحذرة تضع الجميع في حالة تأهب قصوى، في وقت تترنح فيه الجهود الدبلوماسية في مفاوضات غير مباشرة تُجرى في سلطنة عمان.
القضية الجوهرية التي تؤجج هذا الصراع هي استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب بشكل خطير من مستوى إنتاج الأسلحة النووية. الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت في 12 يونيو 2025 قرارًا يدين إيران لانتهاكها التزاماتها النووية، وهو الأول منذ عشرين عامًا. وردت طهران بإعلان نيتها بناء منشأة ثالثة لتخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة طرد مركزي من الجيل السادس في منشأة فوردو تحت الأرض، في تصعيد يضع حلفاءها وخصومها أمام تحديات صعبة.
الولايات المتحدة، التي تراقب الموقف بحذر، سحبت عددًا من موظفي سفاراتها في العراق والبحرين والكويت كإجراء احترازي، بينما تتابع سير مفاوضات غير مباشرة في مسقط. هذه المفاوضات لا تبدو واعدة حتى الآن، إذ تصر إيران على حقها في التخصيب، فيما ترفض واشنطن أي حل لا يتضمن رقابة دولية صارمة وتقليصًا كبيرًا للبرنامج النووي.
في هذه الأثناء، أفادت تقارير أمنية وعسكرية بأن إسرائيل أبلغت شركاءها في الغرب أنها “مستعدة تمامًا” لتوجيه ضربة استباقية لمنشآت إيران النووية، سواء بدعم أمريكي أم بدونه. هذه الاستعدادات تتزامن مع مناورات مكثفة لسلاح الجو الإسرائيلي، فيما تحذر إيران من رد “مدمر وتاريخي” إذا ما تم استهداف منشآتها. الحرس الثوري الإيراني كشف عن قدرات صاروخية جديدة مثل صاروخ “قاسم بصير” بمدى يتجاوز 1200 كيلومتر، وهو قادر على ضرب أهداف استراتيجية تشمل قواعد أمريكية وإسرائيلية.
الخطر لا يقتصر على الأطراف الأساسية فحسب، بل يمتد إلى حلفاء إيران الإقليميين. فقد أصدرت جماعة الحوثي في اليمن بيانًا تعلن فيه أن أي اعتداء على إيران سيكون بمثابة “إشعال شامل للمنطقة”، في إشارة إلى احتمال توسيع رقعة الصراع لتشمل البحر الأحمر ومضيق هرمز، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة في إمدادات النفط وارتفاع أسعار الطاقة عالميًا.
تتزايد احتمالات اندلاع صراع مسلح نتيجة لهذا التصعيد، خاصة إذا فشلت جولة المفاوضات الجارية. وفيما يلي جدول يوضح السيناريوهات المحتملة وتأثيرها على المنطقة:
السيناريو المحتمل :
1_ضربة إسرائيلية محدودة قصف جوي على منشآت نووية إيرانية،
*رد عسكري إيراني على إسرائيل وأمريكا.
2_رد إيراني موسّع :إطلاق صواريخ على قواعد أمريكية أو إسرائيلية؛ *تصعيد إقليمي وحرب متعددة الجبهات.
3_تدخل محور المقاومة : دخول الحوثيين وميليشيات العراق على خط المواجهة؛
*تهديد للممرات البحرية والنفط.
4_نجاح دبلوماسي محدود : اتفاق مؤقت لتجميد التخصيب مقابل تخفيف عقوبات
*تهدئة مؤقتة لكن غير مستدامة.
أما من الناحية الجيوسياسية، فإن المنطقة تشهد تموضعًا جديدًا لخريطة التحالفات، حيث بات الخليج العربي مهددًا بشكل مباشر، مع تنامي احتمالات نشوب صراع تمتد نيرانه من البحر المتوسط حتى بحر العرب.
إن احتمالات التصعيد أصبحت أكثر ترجيحًا من احتمالات التهدئة، خاصة مع تعثر الجهود الدبلوماسية وتزايد التهديدات العلنية من جميع الأطراف. أمام هذا المشهد المتفجر، تبدو الحاجة ملحة لتدخل دولي عاجل يقود إلى اتفاق مستدام يضمن الأمن النووي في المنطقة ويمنع انزلاق الشرق الأوسط إلى حرب مفتوحة ستكون نتائجها كارثية على الجميع.