بلاد الشام من شموخ الحضارة إلى دمار الحروب وفقدان الهوية

سوريا، أرض الحضارات وموطن الشام الذي احتضن عبر تاريخه الطويل شعوبًا وثقافات متعددة، كانت في الماضي نقطة التقاء الحضارات وطريقًا للتجارة بين الشرق والغرب، هنا قامت الدولة الأموية، أول خلافة إسلامية، لتصنع واحدة من أعظم الإمبراطوريات الإسلامية التي امتدت إلى أوروبا، وأسست لنشوء ممالك عربية شكلت ملامح العالم الإسلامي.
غير أن سوريا، التي كانت رمزًا للعراقة والتعددية، غرقت منذ أكثر من عقدين في دوامة حرب طاحنة حولتها إلى أرض مشردة، تفقد فيها الإنسانية معنى الأمان. أصبح شعبها مشتتًا بين ربوع العالم، يعاني من الفقر والتهميش في ظروف قاسية، بينما يعاني من بقي في الداخل من قسوة الحياة وضراوة الحرب.
لم تعد الحياة في سوريا تشبه الماضي، فقد بات الصراع اليومي على البقاء هو القاسم المشترك بين أبنائها، وسط صمت دولي يكاد يكون أقرب إلى التواطؤ.
الحرب السورية، التي بدأت كحراك شعبي سلمي في 2011، تحولت سريعًا إلى نزاع مسلح يشمل أطرافًا متعددة، بين قوات النظام التي تحظى بدعم حلفاء إقليميين ودوليين، والمعارضة المسلحة، بما فيها “جيش تحرير الشام” الذي كان يُعرف سابقًا بجبهة النصرة، وصُنّف من قبل دول عديدة كجماعة إرهابية.
وبينما تتعدد مسميات الأطراف المتصارعة، يبقى الشعب السوري هو الخاسر الأكبر، يعيش في ظل قصف مستمر، ودمار لا يتوقف، وغياب أي أفق للحل.
في المشهد السياسي والعسكري، تتوالى التحركات بين الأطراف المتصارعة؛ أبرزها الهجوم الأخير الذي استغل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد.
العالم يترقب بقلق سقوط مدينة حمص، التي تُعد مفتاحًا استراتيجيًا، بعد فقدان النظام سيطرته على حماة، المدينة الرابعة من حيث الأهمية، وسط هذه الفوضى، يشارك المرتزقة وأصحاب المصالح من كل الأطراف، محولين النزاع إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية على حساب الأرض والإنسان.
أما الجانب الإنساني، فالمأساة أعمق من مجرد نزاع عسكري، يعاني الملايين من السوريين من نقص حاد في الغذاء والماء والخدمات الصحية الأساسية، يعيش النازحون في الداخل واللاجئون في الخارج في ظروف مزرية، بين خيام لا تقي برد الشتاء وملاجئ تفتقر إلى أدنى مقومات الكرامة الإنسانية، النساء والأطفال، وهم الأكثر تضررًا، يواجهون مستقبلًا مجهولًا، بينما يحاول البعض التمسك بالأمل في حياة كريمة بعيدًا عن مرارة الحرب.
ورغم الجهود المتفرقة لبعض المنظمات الإنسانية والمبادرات الدولية، تبقى الحلول خجولة، غير قادرة على وضع حد لمعاناة أمة بأكملها. سوريا اليوم ليست فقط ساحة حرب، بل رمز لفشل المجتمع الدولي في حماية الشعوب من ويلات النزاعات الداخلية والتدخلات الخارجية.
السؤال الذي يبقى دون إجابة: هل هناك أفق لنهاية هذه المأساة؟ هل يمكن أن تعود سوريا يومًا ما إلى مكانتها كأرض للتعايش والحضارة؟ أم أن الحاضر سيمتد ليبتلع مستقبل أجيالها؟ في انتظار ما ستكشفه الأيام القادمة، يبقى الأمل الوحيد في إرادة شعب صمد رغم كل الظروف، يبحث عن السلام في وطن مزقته الحرب.