
ليس من السهل أن تكتب عن فنان على أساس ما يُقال عنه في الإعلام فقط، لكن الأجمل والأصدق هو أن تكتب عن إنسان خبرته عن قرب، عرفت طباعه، وعايشت جزءاً من مشواره، ولمست بنفسك مقدار صدقه في الحب والانتماء. هذا تماماً ما يمكن أن يُقال عن ميدو المصري، الفنان الذي لم يعد مجرد «مقيم بالمغرب»، بل صار واحداً من الذين اختاروا هذا البلد وطناً ثانياً عن قناعة لا عن ظرف.
تعرفت إلى ميدو كصديق قبل أن يكون فناناً، فوجدت فيه ذلك الإنسان البسيط الذي يحمل قلباً مصرياً دافئاً ونفساً مغربياً تعلّق بهذه الأرض وأهلها دون تكلّف أو ادعاء. حبّه للمغرب ليس شعاراً يرفعه في المناسبات، ولا جملة عابرة تقال في اللقاءات الإعلامية، بل سلوك يومي، وتفاصيل صغيرة تظهر في حديثه، في تعامله مع الناس، وفي غيرته الصادقة على صورة هذا البلد الذي احتضنه.
ميدو من أولئك الذين حين يتحدثون عن المغرب، لا يفعلون ذلك بمنطق «الضيف»، بل بمنطق «الابن» الذي يشعر أن له مكاناً في هذا البيت الكبير. يفرح لفرح المغاربة، ويحزن لما يحزنهم، ويتابع أخبار البلد وكأنها أخبار وطنه الأصلي، بل وأكثر من ذلك، لا يتردد في الدفاع عن المغرب حين يلمس ظلماً أو افتراء، لأنه ببساطة يشعر أن الدفاع عن المغرب هو دفاع عن نفسه أيضاً.
فنياً، ظل ميدو وفياً لاختياره الإنساني قبل الفني؛ لم يركض خلف الأضواء السريعة، ولم يبع قناعاته من أجل انتشار مؤقت. اشتغل في صمت، وراكم التجربة خطوة بخطوة، وغنّى للمغرب عن حب لا عن مصلحة، وقدّم أعمالاً تحمل بصمته الخاصة، حتى وإن تأخرت الاعترافات الرسمية أو الفرص الكبرى. لكنه ظل مؤمناً بأن الفن النظيف لا يضيع، وأن الصدق يصل ولو بعد حين.
ما يميّز ميدو أيضاً أن حبّه للمغرب لم يكن خصماً على حبه لمصر، بل كان امتداداً له. ظل معتزاً بأصوله، بلهجته، بثقافته، وبجذوره الأولى، لكنه في الآن نفسه اندمج في المجتمع المغربي دون تصنّع، وتعلم من أهله، وتشرّب من عاداتهم، وصار يتقاسم معهم تفاصيل الحياة اليومية بإنسانية نادرة. وهذا في حد ذاته قيمة كبرى لا يحققها كل من يهاجر أو يستقر في بلد آخر.
أنا لا أكتب هنا عن «فنان فقط»، بل عن صديق أعرفه جيداً، وأشهد له بحب صادق للمغرب، وبوفاء نادر لبلد احتضنه فأحبه بصدق. ومهما اختلفت المسارات وتباعدت الأيام، يبقى ميدو واحداً من أولئك الذين يتركون أثراً طيباً في القلوب قبل أن يتركوا اسماً في الأغاني.











