
في نهاية كل يوم طويل، حين يهدأ كل شيء من حولنا، نكتشف أن هناك رغبة غريبة تُمسك بنا. رغم التعب، رغم الإرهاق الذي يثقل أجسادنا، نجد أنفسنا نؤجل النوم، نفتح الهاتف، نجلس في صمت، أو نحدق في الفراغ وكأننا نبحث عن أنفسنا التي اختفت وسط الزحام. ليست عادة بسيطة، بل حاجة نفسية عميقة تُعرف باسم الانتقام من الحرمان من النوم.
هذه الحالة تصيب من يشعر أن يومه ليس ملكه، فيحاول استعادة السيطرة في الليل ولو على حساب راحته. نقضي ساعات النهار بين العمل، والالتزامات، والأدوار التي نؤديها من أجل الآخرين، حتى يصبح الليل هو اللحظة الوحيدة التي نحس فيها أن الوقت أخيرًا لنا.
لكن هذا الوقت الثمين الذي نحسبه حرية، يتحول ببطء إلى فخّ يسرق صحتنا. نعيش لحظات من السعادة الزائفة، نشعر أننا نستعيد أنفسنا، بينما الحقيقة أننا ننهكها أكثر. السهر يمنح راحة نفسية مؤقتة، لكنه يترك خلفه جسدًا مرهقًا وعقلًا مشوشًا لا يستطيع الاستمرار. إنها مفارقة مؤلمة: نبحث عن الراحة فنفقدها، نطلب الهدوء فنصحو على مزيد من التعب.
ربما الحل ليس في مقاومة النوم، بل في مصالحة أنفسنا مع فكرة أن الراحة ليست ترفًا، بل حقّ نمنحه لأنفسنا كما نمنح الآخرين وقتهم واهتمامنا. فحين نتعلم أن نعتني بأنفسنا قبل أن يطفئنا الإرهاق، سنكتشف أن أجمل لحظات الهدوء ليست تلك التي نسرقها من الليل، بل التي نعيشها بسلام مع أنفسنا.











