
تشكل الجالية المغربية المقيمة بالخارج إحدى الركائز الأساسية للأمة المغربية، ليس فقط بما تقدمه من تحويلات مالية أو حضور دولي مشرف، بل بكونها امتدادًا حيًا للوطن، يحمل همّه وولاءه، ويتفاعل مع قضاياه المصيرية.
ومع ذلك، يظل سؤال مشاركتها في الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب معلقًا، مؤجَّلًا، ومثار جدل لا ينتهي.
الدستور واضح… فلماذا الالتفاف؟
الدستور المغربي، بروحه ونصه، يقر بحق مغاربة العالم في المشاركة السياسية، بما فيها حق التصويت والترشح.
هذا الحق ليس منّة من أحد، ولا ورقة انتخابية موسمية، بل حق دستوري صريح، يُفترض أن تُفعَّل آلياته بقوانين تنظيمية واضحة وإرادة سياسية صادقة.
غير أن الواقع يكشف عن هوة كبيرة بين النص الدستوري والتطبيق، حيث ما زالت الجالية:
محرومة من التصويت المباشر من بلدان الإقامةأو محصورة في صيغ غامضة وغير عملية،تُطرح عند كل استحقاق… ثم تُنسى بعده.
الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج تتحمل مسؤولية تاريخية وأخلاقية في هذا الملف.
فدورها لا يجب أن يقتصر على:
خطابات مناسباتية
أو لقاءات بروتوكولية
أو بيانات تبريرية
بل يتجسد أساسًا في:
الدفاع الصريح عن حق الجالية في التصويت
التنسيق مع باقي المؤسسات لوضع آليات عملية
القطع مع سياسة التسويف والتأجيل.
إن الصمت أو الحياد في قضية دستورية، ليس موقفًا إداريًا، بل تقصير سياسي.
بين الانتهازيين وغياب الشرعية، حيث
المشهد الأكثر إرباكًا اليوم هو بروز أشخاص وهيئات تدّعي تمثيل الجالية دون تفويض، ولا شرعية انتخابية، ولا قاعدة تمثيلية حقيقية.
أصبحنا أمام وضع عبثي،كل من هبّ ودبّ صار “ممثل الجالية”كلٌّ على فرسه، وكلٌّ بسيفه،يتحدث باسم الملايين دون محاسبة،هؤلاء لا يخدمون الجالية، بل
يربكون صوتها،ويفرغون مطالبها من الجدية،ويحولون قضية وطنية إلى منصة شخصية،فالخطاب الملكي… بوصلة لا تحتمل التأويل.
لقد كان الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله واضحًا وحاسمًا، حين دعا إلى:إعادة هيكلة تأطير الجالية
وحماية مصالحها،وتأسيس المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج كإطار جامع، شرعي، ومؤسساتي،هذا التوجيه الملكي لا يقبل:التسييس الضيق ولا الاستغلال الانتهازي،ولا التحريف لخدمة أجندات شخصية،بل هو دعوة صريحة إلى تنظيم تمثيلية الجالية، وضمان مشاركتها السياسية وفق منطق الدولة، لا منطق الفوضى.
إذا استمر تجاهل تفعيل حق التصويت:
سنكون أمام جالية قوية اقتصاديًا… مهمشة سياسيًا،وأمام دستور متقدم… بإرادة تنفيذ مترددة،وأمام ثقة تتآكل بدل أن تُبنى.
الجالية المغربية بالخارج لا تطلب امتيازًا،
بل تطالب بحق دستوري واضح،
بعيدًا عن الانتهازيين،وبعيدًا عن المتاجرة باسم الوطن،وتحت سقف التوجيهات الملكية السامية،فإما إشراك حقيقي ومسؤول،أو صراحة سياسية تعترف بالتقصير،أما المنطقة الرمادية… فلم تعد مقبولة.







