سياسة

سوريا بعد الأسد: صعود أحمد الشرع وتغير معادلات النفوذ الإقليمي

مالك جواد

مع التطورات السياسية المتسارعة في سوريا، والتي شهدت صعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم بعد رحيل بشار الأسد، تبدو ملامح المشهد السوري على وشك إعادة تشكيل عميقة. الشرع، الذي يُعرف بخلفيته الإسلامية وارتباطه السابق بتيارات متشددة، بات اليوم في موقع القيادة، محاولًا الموازنة بين إرثه القديم وطموحاته السياسية الجديدة. هذه التحولات تثير تساؤلات حاسمة حول مستقبل سوريا في ظل قيادته، خاصة فيما يتعلق بتوجهاته السياسية وعلاقاته الإقليمية، وعلى رأسها العلاقة مع إيران.

تصريحات مستشار المرشد الإيراني الأخيرة، التي استبعد فيها تشكيل حكومة ديمقراطية في سوريا، وأكد فيها استحالة جمع السوريين “بقبضة من حديد”، تعكس موقفًا معقدًا لإيران تجاه التطورات في دمشق. إيران، التي كانت لاعبًا رئيسيًا في دعم نظام بشار الأسد على مدار سنوات الحرب، تجد نفسها الآن أمام قيادة سورية جديدة ذات توجهات قد لا تتماشى بالكامل مع استراتيجياتها. الشرع، رغم خلفيته الإسلامية، قد يختار الابتعاد عن النفوذ الإيراني لصالح نهج أكثر استقلالية، سعيًا لتحقيق توازن داخلي واستقطاب دعم عربي ودولي أوسع.

صعود أحمد الشرع يمثل تغييرًا جذريًا في طبيعة الحكم في سوريا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار توجهه لتأسيس تيار إسلامي جديد. هذا التيار، الذي قد يجمع بين القيم الإسلامية وتوجهات أكثر اعتدالًا، قد يسعى للعب دور محوري في إعادة بناء الدولة السورية، لكنه يواجه تحديات كبرى. فمن جهة، على الشرع أن يثبت أنه قادر على تجاوز إرثه المرتبط بتنظيمات متشددة، ليصبح قائدًا جامعًا لمختلف مكونات الشعب السوري. ومن جهة أخرى، عليه أن يتعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية التي ترى في الإسلام السياسي تهديدًا للاستقرار.

في هذا السياق، قد تجد إيران نفسها في موقع صعب. فبينما كانت حليفة لا غنى عنها للنظام السابق، فإن القيادة الجديدة قد لا تكون بنفس الدرجة من القرب أو التوافق مع طهران. ومع ذلك، لن تتخلى إيران بسهولة عن نفوذها في سوريا، خاصة بعد الاستثمارات العسكرية والاقتصادية الكبيرة التي قدمتها على مدار سنوات. وقد تحاول طهران التكيف مع الوضع الجديد عبر البحث عن صيغة تعاون مع أحمد الشرع، رغم اختلاف التوجهات.

على الصعيد الداخلي، فإن تصريحات مستشار المرشد الإيراني تعكس واقعًا صعبًا، حيث لا تزال سوريا تواجه انقسامات عميقة بين مكوناتها السياسية والاجتماعية. فكرة أن “القبضة الحديدية” لم تعد وسيلة فعالة لجمع السوريين تُعد اعترافًا ضمنيًا بضرورة البحث عن حلول أكثر شمولية ومرونة. هذه التصريحات، وإن بدت نقدًا غير مباشر للسياسات السابقة، تشير أيضًا إلى تحديات القيادة الجديدة في بناء نظام سياسي قادر على تحقيق الاستقرار.

في المحصلة، يبدو أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، تتسم بالغموض والتحديات. أحمد الشرع أمامه مهمة معقدة لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الدولة، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية. إيران، بدورها، قد تضطر لإعادة تقييم دورها في سوريا في ظل هذه التغيرات. وفي خضم هذا المشهد المتغير، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن للقيادة الجديدة أن تقدم نموذجًا يعيد للسوريين أملهم في مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا؟

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اهم الاخبار

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا