
إن حجم ما يكابده النظام الجزائري من معاناة بعد أن راكم ما لا يحصى ولا يعد من الانتكاسات والإخفاقات على مستوى المعارك الدبلوماسية التي اختارها بنفسه في مواجهته لبلد جار أراد أن بعيش إلى جانبه على قاعدة متينة قوامها حسن الجوار، كل ذلك قذ حصل وعوض أن يسترشد حكام الجزائر ويتعظون من فشل لم يزدهم إلا عزلة، فضلوا المجازفة على رمال تغور ما إن بدأوا حتى بدأت على الفور تبتلعهم وتمتصهم إلى الأسفل بحيث لم يعد فيه هناك طائل لطوق النجاة فتحريك أي قدم في هذه الرمال الجائعة محكوم على القدم الثانيةبالغرق.هذا هو حال النظام الجزائري مع أخطائه بعد أن أصبح نصفه السفلي ينذرباختفاء كلي.
محنة النظام الجزائري انتقلت من مرحلة إلى أخرى طوال العقد الأخير. الأولى تجلت في تراجع العديد من الدول عن اعترافها بالدولة الوهمية دولة العجاج والرمال مقابل اعتراف العديد منها بمغربية الصحراء ومنها من ذهب إلى فتح ممثليات قنصلية في الأقاليم الجنوبية للمملكة. وكانت علامة فارقة في بداية العزلة عبر عنها الخطاب الجزائري في هذه المرحلة بعد أن تعمد أن يقلل من أهمية هذا التحول ويروج دعايته المضللة بأن فتح هذه القنصليات ما هو إلا فلكلور للدبلوماسية المغربية. هذه الدعاية نفسها لم يكن النظام الجزائري مقتنع بها بدليل أنه تحرك في اتجاه تلك الدول وفشل في إقناعها بالعدول عن فتج قنصلياتها.
المرحلة الثانية وهي الكارثة التي ألمت بالنظام الجزائري وتتجلى في اعتراف الدول الكبرى والوازنة في المنتظم الدولي بمغربية الصحراء وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وإسبانيا وفرنسا. مرحلة زادت من تعميق العزلة ونزل هذا التحول كالصاعقة على النظام الجزائري، فقد على إثره البوصلة وفقد جادة صوابه. في هذه المرحلة بدأ الارتباك واضحا والتخبط أصبح سيد الموقف في ما يمكن أن نعتبره تجاوزا بالدبلوماسية الجزائرية.
من تجليات هذا التخبط وهو أن النظام الجزائري في علاقاته الخارجية كشف نفسه أمام الجميع أنه لم يعد يستقر على حال إلى حد الوقوع في التناقضات من قرار يتخذه اليوم إلى نقيض ذلك القرار بعد حين. وبفعل هذا الارتباك المكشوف، ارتاب المنتظم الدولي في التعامل مع هذا النظام الذي جعل التزاماته مع الدول مرهونة كليا بمدى ما تظهره من عداوة تجاه المملكة المغربية. وأي تقارب مع المغرب أو الانقتاح عليه سيفضي لا محالة إلى أزمة بين تلك الدولة ودولة الثكنات العسكرية، وبالتالي قد يسارع النظام الجزائري إلى تعطيل أوجه التعاون الثنائي في خطوة للضغط والمساومة الرخيصة على الدولة المستهدفة بنبة إجبارها على العذول عن ما جنحت إليه في علاقتها مع المغرب.
هذه الشطحات الجزائرية لا تعدوأن تكون سوى رقصات الديك المذبوح. لا شك أنها سيناريوهات من العبث تدبرها دولة مارقة وهي في عجلة من أمرها فلا هي شرقية ولا هي غربية تسيء لنفسها، حرباء أكثر مما هو مكر ونفاقو في ذلك لا تلوي على شيء. أما المغرب من جانبه فهو يدبر أمره بتدبير العقلاء والحكماء ويشتغل في صمت بعيدا عن الضوضائية وينأى بتفسه عن لعبة الصغار كما هو حال النظام الجزائري.
في فترة ليست ببعيدة، بذل النظام الجزائري جهده الجهيد من أجل استمالة فرنسا إلى جانبه وفرش لها كل الورود لاستدراجها إلى معاداة المغرب، واستقبل الرئيس الفرنسي ماكرون آنذاك في زيارة له للجزالر تجاوزت البرتوكولات الرسمية إلى حد تبرك الجزائريين في شوارع العاصمة الجزائر بأيادي الرئيس ماكرون فيما الرئيس تبون يحضنه بحنية ووقار ويقدمه لهم تيمنا ببركاته.
كل هذه العناية الفائقة قد حصلت ولم تثمر “واللي ف راس الجمل ف راس الجمال” وبعبارة دالة “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. وكان المغرب الذي يثق بنقسه ويثق بعمق تاريخه وبحاضره ومستقبله يكتفي بالتفرج على الزبد من بعيد،وهو الذي يملك ما ينفع الناس، مراهنا في ذلك على عامل الزمن الذي يميز الغث من السمين.
على العكس من ذلك ولأنه لا يملك رصيدا يراهن عليه، لجأ النظام الجزائري كما هي عادته إلى خلق أزمات بدأها مع إسبانيا وتراجع عنها من تلقاء ذاتهبعد أن أذل نفسه من دون زوال الأسباب. وكما هو حاليا مع فرنسا،ها هو يحشر نفسه في أزمة آخذة في الاستفحال.آخر تجلياتها ما عرف بأزمة المناورات المغربية الفرنسية المشتركة التي اندفع إليها النظام الجزائري بدون حسابات وهو لا يعرف كيف له أن يدبرها ولا أن يحفظ فيها خط الرجعة. ظاهرها التصعيد وباطنها الاستجداء كما تفوح رائحتها من بيانات وزارة الخارجية الجزائرية المتأرجحة ما بين ما أعلن عنه من”استقبال” السفير الفرنسي بدل استخدام لغة “الاستدعاء”الدي من المفترض أن بتطابق مع نبرة الاحتجاج ولاستفزاز التي تضمنها البيان الجزائري. إنه كذلك وجه آخر من الارتباك يقدمه لنا الجانب الجزائري.
هذه المناكفة في موضوع المناورات كما بدا أن النظام الجزائري يعارضها ما هي إلا زوبعة في فنجان بحيث أن النية لدى الحاكم الجزائري تتجه نحو افتعال هذه الأزمة مع باريس لتهيئة الأرضية في اتجاه تجديد التواصل بين الطرفين بعد أن تبين للنظام الجزائري أن القطيعة بينه وبين فرنسا لن تخدمه في شيء بقدر ما قد تصب في صالح المغرب وهذا الذي لن يقبل به النظام الجزائري.
قراءتنا لهذه النوايا مبنية على ثلاث اعتبارات أساسية: أولها بقليل من الحكمة والتعقل ما كان على النظام الجزائري أن يخرج هذه الخرجة لأنه يعلم مسبقا أنه سيوقع نفسه في تناقض من حيث المبدإالذي اعتمده حينما نظم مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في شهر نونبر من العام المنصرم وإن كانت قريبة من الحدود المغربية فهو كما كان يراهاتجرى فوق التراب الجزائري، فكيف يسمح لنفسه أن يعارض مناورات مماثلة تجرى فوق التراب المغربي.
ثانيها أن بيان وزارة الخارجية الجزائرية تضمن رسالة مبطنة مفادها أن الجزائر تعبر باحتشام عن رغبتها في فتح حوار مع فرنسا لطي هذه الأزمة. وهناك إشارات قوية في بيان الوزارة منها أن البلاغ لم يتحدث عن استدعاء السفير بل عن استقباله، منها كذلك أن البلاغ ألمح إلى أن الجزائر لا تريد الانتقال بالعلاقات الجزائرية الفرنسية إلى ما هو أخطر. مما يعني أن التظام الجزائري استشعر هذه الحطورة من خلال التهديد والوعيد الذي أطلقته باريس بإلغاء اتفاقية الهجرة لعام 1968. كما أشار ذلك البلاغ أن الجزائر تنتظر توضيحات من الجانب الفرنسي بخصوص تلك المناورات. ولأن باريس تعلم جيدا ما يريده النظام الجزائري لم تكتف بعدم الرد بل ذهبت في اتجاه إذلال حكام الجزائر بتوجيه إنذارات دخلت اليوم قبل الغد حيز التنفيذ بمنع المسؤولين الجزائريين وعددهم يتجاوز 800 شحصية مدنية من حاملي الجوازات الدبلوماسية ما لم تكن بحوزتهم ما يفيد أنهم في مهمة في إطار ملتقيات دولية.
ثالثها، إن كانت النية لدى حكام الجزائر تتجه بالفعل إلى معارضة المناورات المغربية الفرنسية لأنها قريبة من الحدود الجزائرية لماذا لم تعتمد المبدأ ذاته حينما أجريت نفس المناورات بين الجانبين المغربي والأمريكي على نفس المنطقة الحدودية، وهو مايعزز ما قلناه سابقا أن الهدف من هذه الفرقعات هو التطلع إلى الجلوس مع الجانب الفرنسي على الطاولة في عملية استجداء غير مسبوقة، مكرها أحاك لا بطل.
هذا الاستجداء الذي بات ظاهرة حكام أوقعوا أنقسهم في مطبات لم يعد أمامهم من خيار سوى تسويق أنفسهم إلى حدود الانبطاح وتقديم ثروات الشعب الجزائري ولو بكاملها كقربان نكاية في المغرب. فالعلامة الفارقة عند هؤلاء الحكام بين المكسب والخسارة تتوقف عند حدود نجاح أو فشل النظام الجزائري في عزل المغرب أو عدم عزله.
صحيح أن العلاقات بين الدول مبنية بالأساس على المصالح المتبادلة ولا أحد يجادل في ذلك لكن أن يبيع النظام الجزائري البلاد بأكملها كما أعلن عن ذلك السفير الجزائري لدى واشنطن صبيري بوقادوم بإغراء الولايات المتحدة الأمريكية بهدية عرضها السموات والأرض. فهل كل هذا السخاء ليس سوى من أجل ألا يصدر دونالد ترامب قرارا بفتح قنصلية أمريكية في الصحراء المغربية ومع ذلك لا يهم النظام الجزائري أن يكون هذا السخاء على حساب القوت اليومي للشعب الجزائري.
وإذا كان التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لا حدود له كما هي السماء بتعبير السفير بوقادوم، فإننا نؤكد للسفير ولغيره أنه مادامت الأرض كروية فإن الصحراء كانت وستبقى مغربية.