
كشفت تقارير صحافية دولية حديثة عن واحدة من أجرأ وأقسى حيل التهريب التي تعتمدها شبكات الجريمة المنظمة في العالم، حيث جرى تسخير سفن متهالكة محمّلة بآلاف الأبقار كواجهة “إنسانية وتجارية” لإخفاء أطنان من الكوكايين في طريقها من أمريكا الجنوبية إلى السواحل الأوروبية، في سيناريو يجمع بين القسوة الإجرامية والدهاء اللوجستي غير المسبوق.
وتعتمد هذه الشبكات على شحن سفن مليئة بالماشية، غالباً في ظروف كارثية من حيث النظافة والرعاية الصحية، حيث تموت أعداد كبيرة من الأبقار خلال الرحلة بسبب الاكتظاظ وانتشار الأوبئة. هذه البيئة المليئة بالروث والروائح الخانقة تجعل عمليات التفتيش شبه مستحيلة، حتى بالنسبة لأجهزة متطورة وكلاب بوليسية مدرَّبة، وهو ما تستغله العصابات لإخفاء شحنات ضخمة من المخدرات داخل صوامع العلف أو في تجاويف خفية داخل السفن.
التقارير تشير إلى أن بعض هذه السفن تسجَّل في دول ذات رقابة ضعيفة على الملاحة البحرية، وتتحرك عبر مسارات معقّدة تمر أحياناً بموانئ في الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا قبل أن تُفرَّغ الشحنات الحقيقية من الكوكايين في عرض البحر عبر قوارب سريعة، تمهيداً لإدخالها إلى أوروبا بشكل متقطع يصعب تعقبه.
ورغم أن هذه الحيلة استُخدمت على مدى سنوات، فإن عدد عمليات الضبط يظل نادراً جداً، إذ تشير المعطيات إلى أن السلطات الأوروبية لم تنجح سوى في ضبط سفينة واحدة خلال قرابة 18 عاماً من النشاط، وفي تلك العملية تم حجز نحو أربعة أطنان ونصف من الكوكايين كانت مخبأة وسط شحنة تضم حوالي 1750 بقرة، في واحدة من أكبر الضربات التي وُجِّهت لهذا النمط من التهريب.
وتكشف هذه المعطيات عن تطور غير مسبوق في أساليب التهريب، حيث لم تعد العصابات تعتمد فقط على الحاويات التقليدية أو الطائرات الخاصة أو الغواصات الصغيرة، بل انتقلت إلى استغلال التجارة الدولية للماشية، مستفيدة من التعقيد الإنساني والبيطري واللوجستي الذي يجعل تفتيش هذا النوع من السفن عملية مكلفة وخطيرة وبطيئة.
كما أعادت هذه القضية إلى الواجهة إشكالية استغلال الحيوانات في شبكات الجريمة المنظمة، وتحويل سفن نقل الأبقار إلى ما يشبه “سفناً للموت العائم”، حيث تُستخدم المعاناة الحيوانية كستار لتمرير السموم نحو الأسواق الأوروبية، التي تشهد ارتفاعاً مقلقاً في استهلاك الكوكايين خلال السنوات الأخيرة.
ويمثّل هذا التحول في أساليب التهريب إنذاراً حقيقياً للدول الواقعة على الطرق البحرية الحيوية، وعلى رأسها دول المتوسط وشمال إفريقيا، بضرورة تعزيز المراقبة الاستخباراتية والتقنية على هذا النوع من الشحنات، وعدم الاكتفاء بالإجراءات التقليدية التي باتت العصابات تتجاوزها بسهولة متزايدة.








