
عاد ملف العفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الواجهة بقوة خلال الأسابيع الأخيرة، بعد تقارير تحدثت عن ضغوط مكثفة مارسها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لدفعه إلى إصدار عفو رئاسي يُنهي محاكمة نتنياهو في قضايا فساد ثقيلة، غير أن هرتسوغ رفض الاستجابة لهذا الطلب حتى الآن، متمسكًا باستقلال القضاء.
ويُحاكم بنيامين نتنياهو منذ سنوات في ثلاث قضايا رئيسية تُعرف إعلاميًا بالقضايا 1000 و2000 و4000، وتدور كلها حول تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وهي تهم ينفيها بشكل قاطع ويقول إنها ذات خلفية سياسية.
في القضية 1000، يُتهم نتنياهو بتلقي هدايا ثمينة، من بينها السيجار الفاخر والمشروبات الكحولية باهظة الثمن، له ولأفراد من أسرته من رجال أعمال أثرياء، مقابل تقديم تسهيلات ومنافع لهم في مجالات ضريبية وتنظيمية، وهو ما صُنف قانونيًا ضمن تهم الاحتيال وخيانة الأمانة.
أما القضية 2000، فتتعلق بمحادثات جرت بين نتنياهو وناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بحثا خلالها مقايضة محتملة تقوم على تقديم تغطية إعلامية إيجابية له مقابل الدفع نحو تشريع قانون يُضعف صحيفة منافسة، بما يحقق مكاسب مباشرة للناشر، وهي أيضًا مصنفة ضمن تهم الاحتيال وخيانة الأمانة.
وتُعد القضية 4000 الأخطر بين الملفات الثلاثة، حيث يُتهم نتنياهو باستغلال منصبه كرئيس للحكومة ووزير للاتصالات لمنح شركة الاتصالات “بيزك” امتيازات تنظيمية ضخمة بمئات ملايين الدولارات، مقابل حصوله على تغطية إعلامية إيجابية وموجهة لصالحه ولصالح عائلته على موقع “والا” الإخباري، وهي القضية التي وُجهت فيها له رسميًا تهمة الرشوة إلى جانب الاحتيال وخيانة الأمانة.
وفي ظل هذه القضايا، تقدم نتنياهو بطلب عفو رسمي يُنهي المحاكمة قبل صدور أي حكم، ودون أن يعترف بالذنب أو يعلن اعتزاله العمل السياسي، وهو ما فجّر جدلًا واسعًا داخل إسرائيل، لأن العفو الرئاسي في العُرف السياسي والقانوني يُمنح عادة بعد الإدانة، أو يكون مقرونًا بإقرار بالمسؤولية.
من الناحية القانونية، يرى بعض المختصين أن للرئيس الإسرائيلي صلاحية إصدار العفو حتى قبل صدور الحكم، غير أن هذا الخيار يُعد سابقة بالغة الحساسية، وقد يُفسر على أنه تدخل مباشر في عمل القضاء. في المقابل، تعتبر أطراف قانونية أخرى أن روح القانون وسوابقه تجعل العفو قبل الإدانة أمرًا استثنائيًا شديد الندرة، لا سيما في قضايا الرشوة والفساد الكبرى.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت الضغوط الخارجية، إذ كشفت تقارير إعلامية أن دونالد ترامب وجّه رسائل مباشرة وتصريحات علنية، بل ورسالة رسمية، يطالب فيها الرئيس هرتسوغ بإصدار عفو عن نتنياهو، مبررًا ذلك باعتبارات سياسية تتعلق بوضع إسرائيل الإقليمي.
غير أن الرئيس إسحاق هرتسوغ رد على هذه الضغوط بالتأكيد على أن إسرائيل “دولة ذات سيادة”، وأن القضاء فيها مستقل، مشددًا على أن أي قرار بالعفو يجب أن يُدرس وفق المصلحة العامة وليس تحت ضغط خارجي.
وفي الداخل الإسرائيلي، قوبل الحديث عن العفو برفض شعبي وسياسي واسع، حيث شهد محيط مقر إقامة الرئيس مظاهرات احتجاجية اعتبرت أن منح العفو في هذه المرحلة سيشكّل “ضربة لسيادة القانون”، فيما طالبت قوى معارضة بارزة بأن أي عفو محتمل يجب أن يكون مشروطًا على الأقل باعتراف نتنياهو بالذنب واعتزاله الحياة السياسية.
ويزيد من تعقيد الملف أن نتنياهو يطلب العفو مع استمراره في رئاسة الحكومة، وهو ما تراه قطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي محاولة للجمع بين الإفلات من المحاسبة والاحتفاظ بالسلطة في آن واحد.











