سياسة

المغرب يدخل مرحلة الحسم التاريخي بقرار أممي ورسالة ملكية تؤسس لفتح جديد في قضية الصحراء

في مساء يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025، وجّه صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابًا ساميًا إلى الشعب المغربي، عبّر فيه عن “فتحٍ جديدٍ” في مسار قضية الوحدة الترابية، بالتزامن مع القرار الأممي رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن، والذي اعتمد رسميًا مبادرة الحكم الذاتي كإطار وحيد واقعي وقابل للتطبيق لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مؤكدًا في الوقت ذاته سيادة المملكة على كامل أراضيها. هذا التطور يشكّل نقطة تحوّل فاصلة في تاريخ المغرب الحديث، كما وصفها جلالته، إذ أعلن أن هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025 وما بعدها.

الخطاب الملكي، الذي تزامن مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء والذكرى السبعين للاستقلال، حمل نَفَسًا وطنيًا ودبلوماسيًا عميقًا، مزج بين التقييم التاريخي والتحوّل الاستراتيجي. فقد أكد جلالته أن “وقت المغرب الموحّد من طنجة إلى لكويرة قد حان”، وأن المملكة انتقلت من مرحلة “التدبير إلى مرحلة التغيير”، بعد أن أثمرت الجهود الدبلوماسية والاقتصادية المغربية دعمًا غير مسبوق من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإسبانيا، وبريطانيا، وروسيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، التي تبنت كلها سيادة المغرب الاقتصادية والسياسية على أقاليمه الجنوبية.

ويأتي قرار مجلس الأمن رقم 2797 ليكرس هذا التحول، حيث أقرّ المجلس أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 تمثل الحل الواقعي، مؤكدًا أن أي مسار تفاوضي قادم يجب أن يُبنى على هذه المبادرة دون غيرها. القرار شكّل انتصارًا دبلوماسيًا غير مسبوق، أنهى عمليًا مرحلة الغموض الأممي، وفتح الباب أمام “التنفيذ الواقعي” للحل السياسي النهائي.

الملك محمد السادس، في خطابه، لم يكتفِ بإبراز البعد الدولي، بل ركز أيضًا على البعد الإنساني والوطني. فقد وجّه نداءً صادقًا إلى إخوانه في مخيمات تندوف لاغتنام هذه الفرصة التاريخية للعودة إلى الوطن والمشاركة في تدبير شؤونهم المحلية ضمن سيادة المملكة، مؤكدًا أن “كل المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين وبين من بقوا في أرض الوطن”. كما دعا جلالته الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى حوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة قائمة على الثقة وحسن الجوار، في دعوة تنمّ عن رغبة المغرب في بناء مغرب عربي متكامل يجمع دوله الخمس على أسس التعاون والاحترام المتبادل.

أما داخليًا، فقد حمل الخطاب إشادة واضحة بتضحيات المغاربة، خصوصًا سكان الأقاليم الجنوبية، الذين ظلوا أوفياء لمقدسات الأمة ووحدتها الترابية. كما نوّه الملك بالجهود الكبيرة التي تبذلها الدبلوماسية المغربية الرسمية والحزبية والبرلمانية في الدفاع عن القضية الوطنية، مستحضرًا تضحيات القوات المسلحة الملكية والأجهزة الأمنية التي ضمنت الأمن والاستقرار لعقود، ومترحمًا على روح الملك الراحل الحسن الثاني، مهندس المسيرة الخضراء، وكل شهداء الوطن الأبرار.

الخطاب إذن ليس مجرد إعلان انتصار، بل تأكيد لنهج الاعتدال والحكمة. فالمغرب، كما قال جلالته، “لا يعتبر هذه التحولات انتصارًا لتأجيج الصراع، بل خطوة نحو حل لا غالب فيه ولا مغلوب”، ما يعكس حرص الرباط على الاستقرار الإقليمي ونزع فتيل التوتر. في المقابل، يمثّل القرار الأممي رقم 2797 اعترافًا دوليًا بأن رؤية المغرب هي الأكثر واقعية واستدامة، وأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الطريق الوحيد الممكن لإنهاء نزاع دام نصف قرن.

بهذا المعنى، يمكن اعتبار 31 أكتوبر 2025 بداية “ الدبلوماسية الجديدة” للمغرب، القائمة على السيادة الكاملة، التنمية المتوازنة، والانفتاح المغاربي والإفريقي. فالمملكة، بثباتها وإصرارها، لم تنتصر فقط على مستوى القرار الدولي، بل رسخت موقعها كقوة إقليمية قادرة على تحويل الاعتراف السياسي إلى تنمية واقعية، ومن مشروع سياسي إلى نموذج للاستقرار في محيط مضطرب.

إنه فتح مبين، كما استهل به جلالته خطابه بالآية الكريمة “إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا”، فتحٌ دبلوماسي وتاريخي يُتوّج خمسين سنة من النضال، ويدشّن لعهد جديد عنوانه: مغرب موحد، من طنجة إلى لكويرة، تحت راية واحدة وسيادة لا تقبل المساومة.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اشتراك

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا