تعيش منطقة جنوب آسيا في هذه الأيام على وقع تصعيد خطير بين الهند وباكستان، يُنذر بعواقب كارثية في حال خروجه عن السيطرة. هذا التوتر الجديد، الذي اندلع في أواخر أبريل 2025، أعاد إلى الأذهان مشاهد المواجهات المسلحة والحروب السابقة بين القوتين النوويتين، واللتين تجمع بينهما علاقة معقدة من العداء التاريخي والتنافس الإقليمي، منذ لحظة ولادتهما في أعقاب التقسيم الدموي لشبه القارة الهندية عام 1947.
الشرارة التي فجرت الأزمة الحالية تمثلت في هجوم دامٍ وقع في منطقة باهالغام بكشمير الخاضعة للإدارة الهندية، حيث استُهدف حافلة تقل سياحًا، ما أسفر عن مقتل 26 شخصًا. لم تتأخر الهند في توجيه أصابع الاتهام إلى جماعات مسلحة تنشط في باكستان، وتحديدًا “جيش محمد” و”عسكر طيبة”، المدعومتين، حسب الهند، من قبل الاستخبارات الباكستانية. الرد الهندي جاء سريعًا وعنيفًا عبر عملية عسكرية جوية سُميت بـ”سيندور”، استهدفت مواقع داخل باكستان، قالت نيودلهي إنها معاقل لتلك الجماعات. أسفرت الغارات عن مقتل 31 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، وفقًا للسلطات الباكستانية.
رد إسلام آباد لم يتأخر هو الآخر، حيث تم إسقاط طائرات هندية، وبدأت القوات الباكستانية قصفًا مدفعيًا مكثفًا على مناطق حدودية، مع إعلان التعبئة الجزئية في صفوف الجيش. التصعيد لم يتوقف عند الجانب العسكري، بل شمل أيضًا قرارات دبلوماسية حادة، من بينها طرد متبادل للدبلوماسيين، وإغلاق مجالات جوية، وتعليق عدد من الاتفاقيات الثنائية، بما فيها معاهدة شيملا، كما لوّحت الهند باستخدام ورقة المياه عبر التهديد بإعادة النظر في اتفاق تقاسم مياه نهر السند، ما قد يُعد سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات بين الجانبين.
ما يضاعف من خطورة هذا التصعيد أنه يأتي في ظل مناخ سياسي مشحون داخليًا في كلا البلدين. ففي الهند، يخوض رئيس الوزراء ناريندرا مودي حملة سياسية يحاول فيها ترسيخ صورته كقائد قوي، بينما تواجه حكومة شهباز شريف في باكستان ضغوطًا داخلية متزايدة، ما يجعل من الصراع مع “العدو التاريخي” وسيلة لتوحيد الصف الداخلي. الخطاب الشعبوي المتصاعد من الطرفين يزيد من تعقيد الموقف ويقيد هامش المناورة السياسية.
الدور الدولي حتى الآن لا يزال باهتًا، رغم الدعوات المتكررة من الأمم المتحدة والدول الكبرى لضبط النفس والعودة إلى الحوار. الولايات المتحدة والصين، رغم مصالحهما المباشرة في استقرار المنطقة، لم تنجحا حتى الآن في جمع الطرفين إلى طاولة مفاوضات، في حين يكتفي الاتحاد الأوروبي بإصدار بيانات قلقة، دون تقديم مبادرة فعلية. المجتمع الدولي يدرك أن أي مواجهة واسعة بين البلدين قد لا تبقى تقليدية، بل قد تنزلق إلى استخدام الأسلحة النووية، وهو ما يُمثل تهديدًا يتجاوز حدود القارة الآسيوية.
إن التصعيد الأخير يسلط الضوء مجددًا على هشاشة الوضع في إقليم كشمير، الذي يبقى بؤرة صراع مستعصية على الحل منذ أكثر من سبعة عقود. كما يطرح تساؤلات حقيقية حول نجاعة الاتفاقيات السابقة، وجدوى استمرار الوضع القائم الذي يُبقي المنطقة دائمًا على حافة الانفجار. إذا لم تكن هناك إرادة سياسية جادة لدى الطرفين، مدعومة بضغط دولي فعال، فإن هذه الأزمة قد لا تكون الأخيرة، وقد تكون التالية أكثر دموية.