
إدريس البصري يعتبر من الشخصيات البارزة والمثيرة للجدل في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر. وُلد في عام 1938 في مدينة سطات، وهي إحدى المناطق الزراعية في المغرب. درس البصري القانون والعلوم السياسية، مما أهّله للولوج إلى الوظائف الإدارية مبكرًا. بدأ مسيرته في الشرطة قبل أن ينتقل إلى مواقع المسؤولية العليا في الدولة المغربية.
برز البصري كواحد من أبرز الشخصيات المؤثرة في عهد الملك الحسن الثاني، حيث تولى وزارة الداخلية لفترة طويلة من الزمن امتدت من عام 1979 إلى عام 1999. خلال هذه الفترة، كان يُعتبر الرجل الثاني في الدولة بعد الملك، إذ كانت وزارته تمتلك سلطات واسعة تشمل الإشراف على الانتخابات، الأمن، الشؤون المحلية، والإدارة الترابية. بفضل هذه السلطات، كان البصري يُعرف بقدرته على التحكم في المشهد السياسي المغربي وتوجيهه بما يتماشى مع رؤية الدولة.
كان لإدريس البصري دور كبير في إدارة الملفات الكبرى للمغرب، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية. أشرف على إدارة الشؤون السياسية المتعلقة بهذا النزاع، بما في ذلك التفاوض مع الأمم المتحدة وإدارة العلاقات مع القوى الدولية المؤثرة. كما لعب دورًا مركزيًا في تنظيم الاستفتاء الذي لم يُكتب له النجاح بسبب تعقيدات النزاع الإقليمي.
عرف البصري بقدرته على التعامل مع الأزمات السياسية والاضطرابات الاجتماعية، لكنه كان أيضًا محورًا للانتقادات بسبب ممارسات وصفت بالقمعية خلال فترة مسؤوليته، خاصة خلال ما يُعرف بسنوات الرصاص. ارتبط اسمه بمراقبة الحركات السياسية المعارضة، وضمان ولاء النخب السياسية، والتدخل في نتائج الانتخابات لضمان استمرار هيمنة الدولة على الحياة السياسية.
ومع وفاة الملك الحسن الثاني وتولي الملك محمد السادس الحكم في عام 1999، شهد البصري تراجعًا كبيرًا في نفوذه. تم إعفاؤه من منصبه كوزير للداخلية في أكتوبر من نفس العام، وهي خطوة عكست بداية مرحلة جديدة في المغرب تعتمد على تقليص نفوذ وزارة الداخلية وإعادة ترتيب المشهد السياسي.
رغم هذه الهالة الرسمية، لا تخلو سيرة إدريس البصري من بعض النوادر التي تُروى عنه، سواء من داخل أوساط السلطة أو في الشارع السياسي المغربي. من النوادر التي تُروى عن البصري أنه كان شديد الدقة في إدارة الملفات، لدرجة أنه كان يتدخل في أصغر التفاصيل. يُقال إنه كان يراجع شخصيًا أسماء المرشحين في الانتخابات، وكان يختار حتى الشعارات الانتخابية لبعض الأحزاب، مازجًا بين الجدية المفرطة والفكاهة أحيانًا في توجيهاته.
ومن المواقف الطريفة التي يُقال إنها حدثت خلال فترة إشرافه على الانتخابات، أنه طلب من أحد المسؤولين المحليين ضمان فوز مرشح معين في إحدى المناطق الريفية. لكن عندما جاءه المسؤول وقال له: “لقد فعلنا كل شيء لكن السكان يرفضون التصويت لهذا الشخص”، أجابه البصري بجملة أصبحت مشهورة في الكواليس: “إذا كانوا يرفضون، فاجعلوا صناديق الاقتراع تفكر بدلًا منهم!”
رُوي أيضًا أن إدريس البصري، رغم جديته الظاهرة، كان يتمتع بحس فكاهي خاص في بعض المواقف. يُقال إنه كان يمازح مساعديه بعبارات ساخرة حين يشعر بأنهم متوترون، ولكنه في الوقت نفسه لم يكن يتسامح مع الأخطاء، وكان يقول دائمًا: “الدولة لا تنتظر أحدًا”. ومن النوادر المرتبطة بشخصيته أنه كان يُعرف بشغفه الشديد بالسيطرة على كل شيء لدرجة أن البعض كانوا يصفونه بأنه “وزير الداخلية والخارجية والعدل والانتخابات في آن واحد”.
بعد خروجه من السلطة، انتقل البصري إلى فرنسا حيث عاش بقية حياته بعيدًا عن الأضواء. ظل شخصية مثيرة للجدل، إذ انقسمت الآراء حول إرثه السياسي؛ فبينما يعتبره البعض رجل دولة بارعًا ساهم في استقرار المغرب خلال فترة حساسة، يراه آخرون رمزًا للسلطة المركزية المفرطة التي عرقلت تطور الديمقراطية في البلاد. توفي إدريس البصري في عام 2007 في باريس، تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا لا يزال يثير النقاش في الأوساط المغربية.