
في مناسبة خالدة تجسّد عمق الروابط الثقافية والنضالية بين شعوب الجنوب العالمي، اجتمع عدد من الشخصيات الدبلوماسية والبرلمانية المصرية، إلى جانب ممثلين عن الجالية الكوبية وأصدقاء أمريكا اللاتينية، لإحياء الذكرى الـ130 لسقوط البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي في ميدان المعركة.
جاءت هذه المناسبة تكريمًا لإرث أحد أبرز رموز النضال من أجل الحرية والاستقلال في أمريكا اللاتينية، ولتجديد العهد بمبادئ التضامن والعدالة التي نادى بها مارتي في حياته وأدبه وفكره.
الكلمة التي أُلقيت بالمناسبة لم تكتفِ بتسليط الضوء على سيرة مارتي، بل استدعت روحه الثورية لتكون حاضرة في مواجهة التحديات العالمية الراهنة، مؤكدة أن “خنادق الأفكار أثمن من خنادق الحجارة”، وأن الوحدة بين شعوب أمريكا اللاتينية وسائر دول الجنوب ليست ترفًا، بل ضرورة ملحّة.
وبهذه المناسبة ألقى سعادة سفير جمهورية كوبا في القاهرة كلمة مؤثرة خلال الفعالية، عبّر فيها عن تقدير بلاده العميق للدعم والتضامن، مستحضرًا الإرث النضالي والإنساني للبطل القومي خوسيه مارتي في الذكرى الـ130 لاستشهاده، ومؤكدًا أن نضاله الفكري لا يزال منارة تلهم الأجيال في كوبا وأمريكا اللاتينية والعالم
سعادة السفير أشرف منير، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون أمريكا اللاتينية
سعادة اللواء هشام الجمال، مدير مشروع الحدائق المتخصصة بمحافظة القاهرة
سعادة الدكتور عفت السادات، نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ المصري
أصحاب السعادة، زملائي في السلك الدبلوماسي،
أصدقاء كوبا وأمريكا اللاتينية،
الجالية الكوبية في مصر،
أود أولاً أن أشكركم جميعًا على وجودكم هنا هذا الصباح.
نجتمع اليوم كي نقوم بتقديم تحية و تكريم مستحق لخوسيه مارتي في الذكرى الـ130 لسقوطه في المعركة. مارتي هو البطل القومي لكوبا والأكثر عالمية بين الكوبيين، نظرًا لأهمية فكره السياسي والاجتماعي وعمق أفكاره.
كان مارتي رجل أدب و معرفة، تجاوز عصره، وفهم منذ صغره أنه لا شيء أهم من تحقيق استقلال كوبا.
لم يتردد أبدًا في التضحية بمهنته كمفكر من أجل حرية وطنه. وظل وفيًا لمبادئه حتى وفاته في ساحة المعركة في 19 مايو 1895. ومع رحيله الجسدي، فقدنا المنظم والمفكر الكبير للثورة. توفي عن عمر يناهز 42 عامًا، لكنه ترك وراءه إرثًا أدبيًا وسياسيًا هائلًا لا يزال يلهم الكوبيين حتى اليوم. من مارتي ورثنا معاداة الإمبريالية، ورثنا مبادئ اللاتينية، والإنسانية، والتضامن.
عاش مارتي معظم حياته في المنفى بسبب أفكاره الاستقلالية. تنقل بين إسبانيا وفرنسا وإنجلترا، وعاش في المكسيك وجواتيمالا وهندوراس وهايتي وكوستاريكا وبنما وجمهورية الدومينيكان وفنزويلا، وأخيرًا في الولايات المتحدة. وفي كل هذه الأماكن، عُرف بعلمه، سعه إطلاعه، وفضائله كشاعر و متحدث بارع. عمل كدبلوماسيًا، وقنصلًا للأرجنتين وباراجواي والأوروجواي في نيويورك، وكصحفيًا، ومعلمًا — وفي كل هذه الأدوار تميز ببراعة أسلوبه وخطابه.
كما لم ينس مارتي مصر، عندما انتقد الطموحات الاستعمارية لفرنسا وإنجلترا لضم قناة السويس، حيث قال في عام 1881، وأقتبس:
“روح التجارة تحاول إغراق روح الاستقلال: ابن الصحراء الكريم يعض السوط ويكسر يد ابن القارة العجوز الأناني”.
كان مارتي لاتينيًا مخلصًا، وتابعاً وفيًا لأفكار بوليفار وأبطال أمريكا اللاتينية الآخرين. كان يحلُم دائمًا بوطن عظيم موحد ومتضامن. واليوم، تواجه البشرية — وخاصة أمريكا اللاتينية العزيزة علينا — تحديات كثيرة، و أعود إلى مارتي الذي قال:
“هذه ليست أوقاتًا لننام فيها بوشاح على الرأس، بل بأسلحة من وسادتنا، ( ) بأسلحة الحكم ( ) فخنادق الأفكار أثمن من خنادق الحجارة”.
يجب على أمريكا اللاتينية أن تدرك أننا عبر إقليمية بلا جدوى، لن نصبح أبدًا الشعوب المحترمة التي نطمح إليها. علينا أن نوحد صفوفنا، نحن الذين نتقاسم نفس المصالح، والثقافات المتشابهة؛ نفس القارة التي حاولوا إخضاعها منذ أزمنة بعيدة.
اليوم يجب علينا أن نكون أكثر اتحادًا من أي وقت مضى كي نجعل أصواتنا تُسمع، تلك التي غالبًا ما يتم إسكاتها من قبل الأقوياء. ” إنها ساعة الحساب، والمسيرة الواحدة، وعلينا أن نمشي بصف مرصوص، كالفضة في جذور جبال الأنديز “.
إذا كنا هنا اليوم، فذلك لنعبر عن شكرنا و امتناننا لمارتي على إرثه، ولنخبره أن تضحيته لم تذهب سدى، وأننا، مثله ومثل كل أبطال أمريكا اللاتينية، نؤمن جميعًا بأنه من الممكن إيجاد عالم أفضل.
شكرًا جزيلًا.