
في ندوة علمية جمعت قضاة وخبراء قانونيين، تباينت الرؤى بشأن مشروع قانون المسطرة الجنائية، حيث أثيرت إشكالات جوهرية حول مدى استجابته لمتطلبات العدالة وضمانات المحاكمة العادلة. ورغم محاولاته إدخال إصلاحات جوهرية، إلا أن المشروع لم يسلم من انتقادات حادة كشفت عن ثغرات قد تعرقل تحقيق أهدافه المرجوة.
أحد أبرز النقاط التي أُثيرت خلال النقاش تمثلت في مفهوم الاعتقال الاحتياطي، حيث اعتبر البعض أن المشروع يقدم رؤية جديدة قد تساهم في تقليص عدد المعتقلين الاحتياطيين، لكن آخرين أشاروا إلى أن الإشكال لا يكمن فقط في النصوص، بل في كيفية تطبيقها وضمان عدم استغلالها بشكل قد يضر بحقوق الأفراد. كما أن غياب وضوح بعض المصطلحات القانونية، مثل الفرق بين “قرينة البراءة” و”الحق في البراءة”، أثار تساؤلات حول مدى دقة المشروع في تبني المصطلحات المتفق عليها دوليًا.
في سياق آخر، طُرحت مسألة تعديلات المشروع، حيث بلغ عددها ما بين 100 و200 تعديل، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كان من الأفضل إعادة صياغة القانون من جديد بدلًا من الاكتفاء بتعديلات مجزأة قد تضعف من انسجام النص القانوني. ولم يكن هذا هو التحفظ الوحيد، إذ أُثيرت أيضًا إشكالية غياب الإشارة إلى مسطرة التعويض عن الاعتقال الاحتياطي، مما يطرح تساؤلات حول مدى تحقيق المشروع للتوازن بين مقتضيات العدالة وحقوق الأفراد المتضررين.
ورغم ما تضمنه المشروع من إجراءات جديدة، مثل التسجيل السمعي البصري أثناء التحقيق وإلزامية إخبار المتهم بحقه في الصمت، إلا أن المخاوف ما زالت قائمة بشأن تطبيق هذه الضمانات بشكل فعلي، لا سيما فيما يتعلق بالفئات الهشة مثل الأحداث، الذين يحتاجون إلى تعامل خاص يراعي وضعهم القانوني والاجتماعي.
بين الحماس للإصلاح والقلق من العثرات، يبقى مشروع قانون المسطرة الجنائية في قلب جدل قانوني محتدم، حيث تتقاطع الرؤى بين من يرى فيه خطوة نحو التحديث، ومن يخشى أن يتحول إلى نص مليء بالتناقضات التي قد تعيق تحقيق العدالة الحقيقية.