
تعد ليلة الهرير من أبرز الأحداث التي شهدتها معركة صفين، وهي المعركة التي دارت رحاها عام 37 هـ بين جيش الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجيش معاوية بن أبي سفيان، والي الشام حينها. تجسد هذه الليلة لحظة مأساوية في التاريخ الإسلامي، حيث استمر القتال العنيف بين الطرفين طوال الليل، في مشهد مليء بالدماء والعنف والضراوة.
حملت هذه الليلة اسم “ليلة الهرير” بسبب الأصوات التي ترددت خلالها، حيث كان هرير الكلاب وضجيج السيوف وصيحات المحاربين يملؤون السماء. لم تتوقف المعركة كما جرت العادة في أغلب الحروب عند حلول الليل، بل استمر القتال دون انقطاع، في مشهد نادر الحدوث في الحروب التقليدية. وقد أظهر المقاتلون في كلا الجيشين شجاعةً وصمودًا استثنائيين، ولكن ذلك جاء على حساب أرواح الآلاف من الجنود الذين سقطوا في الميدان.
تشير بعض الروايات إلى أن السماء بدت وكأنها تمطر دماً نتيجة كثرة الدماء التي أريقت على الأرض. ويُحتمل أن تكون هذه الصورة تعبيراً رمزياً عن الكارثة الإنسانية التي وقعت تلك الليلة. وقد تكررت الروايات التي تصف الأرض وقد تحولت إلى ما يشبه النهر الأحمر بسبب غزارة الدماء المسفوكة.
تعتبر هذه الليلة ذروة معركة صفين، التي كانت واحدة من أخطر الفتن التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه. كان القتال شرسًا لدرجة أنه لم يميز بين ليل أو نهار، بين قوة أو ضعف، بل كانت رغبة كل طرف في تحقيق النصر هي المحرك الأساسي لاستمرار الاشتباكات دون توقف.
وعلى الرغم من شدة هذه الليلة ووحشيتها، فإنها لم تسفر عن حسم واضح للمعركة، بل انتهت معركة صفين بشكل مأساوي بعدما لجأ الطرفان إلى التحكيم، وهي الخطوة التي أدت لاحقًا إلى تعميق الخلافات السياسية والدينية بين المسلمين. ليلة الهرير لم تكن مجرد لحظة في معركة عابرة، بل أصبحت رمزًا للتوترات الكبرى والصراعات التي يمكن أن تهدد وحدة الأمة حينما تضعف لغة الحوار وتحل مكانها لغة السيوف.