اسلاميات

النمرود: الطغيان والهلاك أمام إرادة الله

جواد مالك

في أحد العصور البعيدة، كان هناك ملك جبار يدعى النمرود، حكم أرض العراق وكانت سلطته تمتد على شعبه بالقوة والعنف. كان النمرود شخصًا مغرورًا، قويًا في سلطته، ويعيش في قصر ضخم مليء بالترف والرفاهية، حيث لا يعترضه أحد، وكان يعتقد أنه لا نظير له في الأرض. على الرغم من أن ملكه كان يمتد على رقعة شاسعة من الأراضي، إلا أن قلبه كان غارقًا في الجحود والكبرياء، وكان يدّعي الألوهية أمام شعبه، مؤمنًا أن قوته وسلطته تجعله في مقام الإله.

لكن، في قلب هذه الأرض التي يغمرها الطغيان، ظهر رجل عادي يدعى إبراهيم بن آزر، وهو نبي من أنبياء الله، كان يحمل رسالة التوحيد ويعظ قومه بأن الله واحد لا شريك له، وأن العبادة يجب أن تكون له وحده. كانت دعوة إبراهيم ضد كل ما كان يعتقده النمرود، وهذا ما أثار غضب الطاغية.

أراد النمرود أن يثبت سلطته المطلقة، فاستدعى إبراهيم وقال له متحديًا: “ألم تجد إلهًا غيري؟ أنا الذي أحيي وأميت”. رد عليه إبراهيم بكل هدوء وثقة: “إن الله هو الذي يحيي ويميت، وأنا أؤمن به وحده”. ظل النمرود في غطرسته، وحاول أن يستعرض قوته ليهين إبراهيم. وقال له: “إن كنت صادقًا في دعواك، فأنت تستطيع أن تُثبت لي أن الله هو الذي يحيي ويميت”.

أراد النمرود أن يظهر قوته بطريقة غريبة، فأمر بقتل رجلين، ثم جعل أحدهما يموت والآخر يبقى حيًا ليظهر سيطرته على الحياة والموت. ولكن إبراهيم عليه السلام رد عليه قائلًا: “إن الله هو الذي يحيي ويميت، ولا شريك له في ذلك”. لم يكن النمرود قادرًا على الرد على هذا التحدي العقلي، لكنه لم يرضَ بالهزيمة.

زاد غضب النمرود من إبراهيم، فقرّر أن يختبر إيمان النبي بأشد الطرق قسوة، فأمر بإلقائه في النار. فجمع الناس وأشعلوا نارًا عظيمة، ثم ألقوا إبراهيم فيها، لكن الله سبحانه وتعالى أرسل إليها أمره، فأصبح الهواء باردًا وطمأن إبراهيم، فلم تمسه النار بأذى. كانت هذه معجزة عظيمة لم يستطع النمرود وأعوانه أن يفسروها. وهكذا نجا إبراهيم من موت محقق ليزداد إيمانه وإيمان المؤمنين برسالة التوحيد.

ومع مرور الوقت، بدأ النمرود يشعر بالتهديد من إبراهيم ودعوته، لكنه لم يتراجع عن طغيانه. حاول النمرود مجددًا أن يواجه إبراهيم، وقال له: “إذا كنت تؤمن بإله غيري، فأنا الذي أملك السماء والأرض”. فرد إبراهيم عليه قائلاً: “إن الله هو خالق السماوات والأرض، وهو الذي يملك الأمر كله، وليس أنت”.

وواصل إبراهيم دعوته في وجه النمرود بكل إصرار، إلا أن هذا الأخير كان قد أعماه كبرياؤه عن رؤية الحق. وفي النهاية، قضى الله على النمرود بطريقة كانت تحمل عبرة عظيمة. قيل إنه مات بسبب دودة صغيرة دخلت في رأسه، فاستمرت في التغذي على دماغه حتى قضت عليه.

قصة النمرود تحمل العديد من الدروس والعبر. أولًا، تُظهر أن القوة الجسدية والمادية لا تعني شيئًا أمام قدرة الله، الذي هو خالق الكون ومالك الأمر. النمرود، بكل ما امتلكه من سلطة وجبروت، لم يكن إلا عاجزًا أمام إرادة الله.

ثانيًا، تسلط القصة الضوء على أهمية التواضع والاعتراف بالله. النمرود كان غارقًا في الكبر، بينما كان إبراهيم عليه السلام نموذجًا للتواضع والتوكل على الله. وقد نجا من النار بفضل إيمانه واحتسابه على الله.

وأخيرًا، تُبرز القصة كيف أن الطغاة الذين يتكبرون ويتحدون إرادة الله مصيرهم في النهاية الفشل والهلاك. النمرود، الذي حاول أن يكون إلهًا، كان مصيره الهلاك على يد دودة صغيرة، ما يذكرنا بضعف الإنسان أمام قدرة الخالق.

قصة النمرود هي تذكير قوي بأن الله وحده هو المتحكم في مصير البشر، وأن جميع من يتكبرون ويظلمون في الأرض سيقابلون يومًا ما جزاءهم العادل. فالعبرة التي يجب أن نتعلمها هي أن التواضع لله، والإيمان بوحدانيته، هما الطريق الحقيقي للنجاة.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اهم الاخبار

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا