
لم يكن قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي تبنّى خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحلٍّ وحيدٍ للنزاع المفتعل حول الصحراء، وليد الصدفة أو لحظةٍ دبلوماسيةٍ عابرة، بل كان ثمرة سنواتٍ من العمل الهادئ والمثابر الذي قادته الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبتنفيذٍ متقنٍ من وزير الخارجية ناصر بوريطة وفريقه، الذين رسموا خلال الأعوام الأخيرة خارطة طريقٍ جديدة أعادت لموقع المغرب وزنه واحترامه في المنتظم الدولي.
ففي زمنٍ تتشابك فيه المصالح وتتعقّد التوازنات، اختار المغرب نهجًا دبلوماسيًا متزنًا قوامه الواقعية والحكمة والمصداقية. ومن خلال رؤية الملك محمد السادس، تحوّلت قضية الصحراء من ملفٍ للنزاع إلى قضية سيادية عادلة تحظى بدعمٍ دولي متزايد. وقد جاء القرار الأممي الأخير تتويجًا لهذا المسار، معبّرًا عن ثقة المجتمع الدولي في مقاربة المغرب ووجاهة مبادرته للحكم الذاتي.
وفي هذا السياق، قال ناصر بوريطة في تصريحٍ عقب التصويت على القرار:
> “القرار التاريخي يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في مسار قضية الصحراء المغربية، وهو ثمرة رؤية جلالة الملك التي انطلقت منذ أكثر من عقدين.”
كما أوضح الوزير في لقائه مع القناة الثانية المغربية أن “حلّ قضية الصحراء اليوم أقرب من أي وقتٍ مضى، وما يلزم فقط هو توافر الإرادة السياسية”، مؤكّدًا أنّ تدخل الملك شخصيًا خلال السنوات الأخيرة قبل التصويت كان حاسمًا في حشد التأييد الدولي وضمان تمرير القرار دون فيتو أو اعتراضاتٍ جوهرية.
ولم تكن تحركات بوريطة في أروقة الأمم المتحدة مجرد نشاطٍ بروتوكولي، بل كانت ترجمة عملية لنهجٍ دبلوماسي مغربي قائمٍ على بناء التحالفات، واستثمار العلاقات الاستراتيجية مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، مع حفاظٍ صارم على استقلال القرار الوطني. وقد أظهر الوزير قدرةً لافتةً على إدارة التوازنات الدقيقة بين العواصم المؤثرة، مؤكدًا أن “الموقف الروسي كان مفتاحًا أساسياً لتمرير القرار”، في إشارةٍ إلى نجاح الرباط في تحييد أيّ اعتراضٍ دولي على مشروع الحكم الذاتي.
نجاح بوريطة لا يختزل فقط في تمرير القرار الأممي، بل في إعادة رسم صورة المغرب كقوة دبلوماسيةٍ هادئةٍ ولكن حاسمة، تتحرك بثقةٍ وتوازن، وتقدّم حلولًا واقعية بدل الشعارات الجوفاء. فخلال السنوات الأخيرة، استطاعت الخارجية المغربية أن تفتح آفاقًا جديدة مع قاراتٍ مختلفة، من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا وآسيا، وتحوّلت الرباط إلى صوتٍ مؤثرٍ ومدافعٍ رصين عن القضايا الإفريقية والعربية، في زمنٍ باتت فيه الدبلوماسية تُقاس بالحكمة لا بالصوت المرتفع.
وإذا كان الملك محمد السادس قد وضع قضية الصحراء في صلب السياسة الخارجية للمملكة، فإن ناصر بوريطة كان الذراع التنفيذي الذي جسّد هذه الرؤية على أرض الواقع. فبفضل حنكته ومرونته السياسية، تحوّلت المواقف المترددة في مجلس الأمن إلى تأييدٍ صريح للمقترح المغربي، وأصبحت المبادرة المغربية تُوصَف من قبل الأمم المتحدة والدول الكبرى بأنها “جادة وذات مصداقية وواقعية”.
اليوم، يقف المغرب شامخًا بدبلوماسيةٍ تجمع بين الحزم والاتزان، بين الثقة بالنفس والانفتاح على الآخر. أما ناصر بوريطة، فقد أثبت أنه أحد أبرز وجوه الدبلوماسية العربية المعاصرة، رجل التفاوض الصامت الذي يشتغل في الظلّ ليصنع الضوء، وفارسُ السياسة الذي لا يرفع صوته، لأن الحقّ حين يتحدث لا يحتاج إلى صخب.
لقد كُتبت صفحةٌ جديدة في سجلّ الدبلوماسية المغربية، عنوانها: العمل والوفاء والرؤية الملكية المستنيرة. ومع هذا القرار الأممي التاريخي، يحقّ للمغاربة أن يفخروا بما أنجزته دولتهم تحت قيادة ملكها، وبما قدّمه وزير خارجيتها من نموذجٍ للدبلوماسي الوطني الذي يمثّل بلاده بكرامةٍ وذكاءٍ وواقعيةٍ راسخة.











