
في ظل وضع داخلي مأزوم يزداد سوءًا، تواجه إيران لحظة فارقة في تاريخها المعاصر. أزمات معيشية خانقة، احتجاجات شعبية تتسع في مختلف المحافظات، وعمليات خارجية دقيقة تستهدف مفاصل النظام، في توقيت يبدو محسوبًا بعناية من قبل الموساد والمخابرات الأمريكية. فهل نحن أمام بداية نهاية الجمهورية الإسلامية؟
أزمة اقتصادية غير مسبوقة
يعاني الاقتصاد الإيراني من اختناق حاد على كل المستويات. العملة الوطنية فقدت معظم قيمتها، حيث تجاوز سعر الدولار 700 ألف ريال في السوق السوداء. معدلات التضخم تقترب من 70% فعليًا، بينما يعاني المواطنون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والأدوية، ونقص في الوقود، رغم أن إيران من كبار منتجي النفط.
في الوقت ذاته، تفاقمت البطالة، خصوصًا في صفوف الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف السكان. ولا تزال البنية الاقتصادية للبلاد خاضعة لسيطرة كيانات مرتبطة بالحرس الثوري، ما يزيد من عمق الفساد ويقلص فرص الإصلاح.
احتجاجات متواصلة بأساليب جديدة
رغم القمع، تستمر موجات الاحتجاج في إيران، ولكن بشكل متجدد وذكي. فلم تعد المظاهرات مركزية أو متوقعة، بل ظهرت أنماط جديدة من المقاومة، مثل الإضرابات القطاعية، والعصيان المدني، والمقاطعة الاقتصادية.
يقود هذه التحركات شبان وشابات في الجامعات، وموظفون في قطاعات التعليم والصحة والنقل. اللافت أن هذه الاحتجاجات تتم في مدن بعيدة عن العاصمة، مما يصعّب على النظام السيطرة عليها بالكامل.
تصعيد خارجي في لحظة دقيقة
في الأيام الأخيرة، شنت إسرائيل واحدة من أعنف عملياتها الجوية ضد مواقع داخل إيران، شملت منشآت نووية وعسكرية، وأسفرت عن مقتل عدد من القادة البارزين في الحرس الثوري. هذه الضربات لم تكن عشوائية، بل اختير توقيتها بعناية، لتتزامن مع ذروة الاضطرابات الداخلية.
يرى مراقبون أن الموساد، بالتنسيق مع الاستخبارات الأمريكية، يعمل على تسريع تآكل النظام من الداخل عبر ثلاث وسائل: الضربات العسكرية النوعية، بث الرعب في صفوف النخبة الحاكمة، ودعم معنوي ومعلوماتي لحركات المعارضة الداخلية والخارجية.
تفكك داخلي متدرج
يواجه النظام الإيراني حالة غير مسبوقة من التآكل. الثقة الشعبية تتآكل، مؤسسات الدولة تعاني من الانقسام، وحتى داخل الحرس الثوري بدأت تظهر ملامح التوتر والتذمر.
النظام يرد بالقمع والإعدامات، ولكن يبدو أن هذه الوسائل لم تعد كافية للسيطرة الكاملة. حالة الإنهاك العامة تفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، أخطرها الانفجار الداخلي أو الانقلاب من داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
من المستفيد ومن المتضرر؟
سقوط النظام الإيراني – إن تحقق – لن يكون حدثًا محليًا فقط، بل زلزالًا إقليميًا ودوليًا له آثار مباشرة:
المستفيدون:
الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ سيضعف محور المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت، وستتراجع قدرة طهران على دعم الميليشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
دول الخليج العربي، خصوصًا السعودية والإمارات، اللتان ستريان في سقوط النظام نهاية لمرحلة التوتر المزمن وفرصة لبيئة أمنية أكثر استقرارًا.
الحركات القومية الفارسية والمعارضة الداخلية، التي ستسعى إلى إعادة تشكيل النظام السياسي بعيدًا عن الحكم الديني.
المتضررون:
حزب الله اللبناني، الذي يعتمد ماليًا وعسكريًا على الدعم الإيراني، وسيدخل في مأزق وجودي.
ميليشيات الحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثي في اليمن، التي ستفقد الراعي الرئيسي والمصدر اللوجستي.
روسيا والصين، اللتان ترتبطان بعقود اقتصادية وعسكرية ضخمة مع النظام الحالي، وقد تفقدان نفوذهما في حال تغيّر التوجه السياسي لإيران.
ما يجري اليوم في إيران ليس أزمة اقتصادية فقط، بل أزمة شرعية ونظام حكم. تزامن الاحتجاجات الداخلية مع التصعيد الخارجي الدقيق ليس مصادفة، بل جزء من سيناريو مدروس قد تكون غايته النهائية تغيير جذري في شكل الدولة الإيرانية.
والسؤال المطروح الآن بقوة: هل يشهد العالم قريبًا انهيار النظام الإيراني كما حدث في حالات سابقة في أوروبا الشرقية، أم أن الجمهورية الإسلامية ستنجح في امتصاص الضربة مرة أخرى كما فعلت في الماضي؟